سأتحدث في مقالي هذا عن مسألة ماليَّة بسيطة قد يدركها بعض المتعاملين في الأسواق الماليَّة لكنها بالتأكيد تخفى على الكثير منهم والمتمثلة بظاهرة «التذبذب» ولا أبالغ بالقول إنها قد تكون أهم ما يميز التعامل في الأسواق المالية، وهنا اسمحوا لي أن أذكر لكم حوارًا تَمَّ قبل سنوات مع متعامل أمريكي في الأسواق الماليَّة يبلغ من العمر أكثر من 80 عامًا قرَّر اعتزال العمل نهائيًّا، حيث تَمَّ سؤاله عن كلمة واحدة فقط تختصر خبرته الكبيرة لنحو 60 عامًا في الأسواق الماليَّة وكانت إجابته «التذبذب».
يعتقد الكثيرون أن لو كانوا مثلاً يملكون سهمًا قيمته السوقية 80 ريالاً، ثمَّ هبط سعره إلى 60 ريالاً، ثمَّ عاد مجدَّدًا إلى 80 ريالاً فإنّه عاد إلى نقطة البداية (أي لا ربح ولا خسارة) وهذا هو حال المستثمرين طويلي المدى، إلا أن الواقع يختلف كثيرًا حيث إن الهبوط إلى 60 ريالاً يعني هبوط بنسبة 25 بالمئة، ثمَّ الارتفاع إلى 80 ريالاً هو في واقع الأمر بنسبة أكبر عند 33 بالمئة مما يعني وجود فرق بنسبة 8 بالمئة بالرغم من العودة لنقطة البداية من جديد وهذا هو حال المستثمرين قصيري الأجل (أو المضاربين) الذين يبحثون دائمًا عن نسبة 8 بالمئة مجازًا من خلال البيع قبل الهبوط والشراء قبل الارتفاع.
ونستطيع القول إن الفرق بين نسبة الانخفاض ونسبة الارتفاع (عند العودة لنقطة البداية) هي أهم الأهداف التي يسعى لتحقيقها المضاربين ويصنعون منها أموالاً طائلة بينما تتحرك أسعار الأسهم أفقيًا، أو بمعنى أصح عندما لا يحقِّق المستثمرين طويلي المدى أيّ مكاسب رأسماليَّة تذكر عند تحرك أسعار الأسهم أفقيًّا نجد المضاربين يحقِّقون أموالاً ضخمة بسبب هذه المسألة. أما إذا تذبذت أسعار الأسهم ضمن نطاقات أكبر، ثمَّ تعود لنقطة البداية (مثل عمليات التصحيح القوية التي تتعرض لها أسعار الأسهم من وقت لآخر) فبالتأكيد هذا ما يبحث عنه المضاربين دائمًا، لأنهم سيحققون فيها مكاسب أكبر من تلك التي سيحققونها فيما لو كانت أسعار الأسهم تتحرك أفقيًا.
بقي أن أشير إلى أن كل هذا يعتمد بشكل كبير على التوقيت الصحيح لقرار البيع والتوقيت الصحيح لقرار الشراء وهي بدورها مسألة تعتمد أيْضًا على التوفيق من الله عزَّ وجلَّ أولاً وأخيرًا، وبسبب أهمية التوقيت في اتِّخاذ قرارات البيع والشراء برزت أهمية التحليل الفني بين أوساط المضاربين حول العالم كأداة مهمة تساعدهم في اتِّخاذ القرار السليم في التوقيت السليم بغض النظر عن آرائنا الشخصيَّة سواء اتفقنا أم اختلفنا على أهمية التحليل الفني ومصداقيته في توقيت قرارات شراء وبيع الأسهم.