مع إعلان هيئة السوق الماليَّة في الأيام الماضية عن مشروع القواعد المنظمة لاستثمار المؤسسات الماليَّة الأجنبية المؤهلة في الأسهم المدرجة بهدف استطلاع الآراء بشأنه، بداية يجب أن أكرر لفت الانتباه إلى أن أهمية فتح سوق الأسهم السعوديَّة أمام تملك الأجانب مباشرة تكمن في الخطوة اللاحقة المتوقعة لها والمتمثلة في رفع تصنيف سوق الأسهم السعوديَّة من سوق ماليَّة «مبتدئة» إلى سوق ماليَّة «ناشئة»، بينما فتح السوق أمام تملك الأجانب مباشرة بحد ذاته ليس ذا أهمية كبيرة إذا لم يلحق ذلك رفع التصنيف.
و هنا اسمحوا لي أن أتحدَّث عن جزئيتين تم نشرهما ضمن المشروع، فالجزئية الأولى تتعلّق بالحد الأدنى لقيمة الأصول المستثمرة لكل مؤسسة ماليَّة التي تَمَّ تحديدها ما بين 3 إلى 5 مليار دولار أمريكي (حسب الصلاحيات الممنوحة للهيئة) حيث إن هذا الرقم سيشكل عائقًا أمام دخول المؤسسات الماليَّة الأجنبية صغيرة الحجم التي تتركز نشاطاتها في منطقة الشرق الأوسط بينما في الوقت نفسه سيشكل هذا الرقم نحو 10 بالمئة فقط من المبلغ المتوقع دخوله إلى السوق مستقبلاً في حال رفع تصنيف السوق السعوديَّة، مما يعني أن فتح السوق هو في واقع الأمر يستهدف المؤسسات الماليَّة الأجنبية الكبرى حول العالم فقط إلى جانب سهولة توفير الحدّ الأدنى بالنسبة لها.
أما الجزئية الثانية فتتعلّق بالحد الأقصى المسموح التملك به سواء في أسهم الشركات بشكل خاص أو في السوق الماليَّة بشكل عام، حيث تَمَّ تحديد نسبة 5 بالمئة فقط للمستثمر الأجنبي وتابعيه في تملك أسهم شركة محددة بينما لا يجوز للمستثمرين الأجانب وتابعيهم مجتمعين بجميع فئاتهم تملك أكثر من 10 بالمئة من القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة عمومًا وأعتقد أن هذه النسب ستسبب مشكلة كبيرة إذا لم يتم تداركها من الآن، حيث إن النسبة الأولى ستحد كثيرًا من عمل أكبر الصناديق الاستثمارية العالميَّة في الأسواق الناشئة والمتمثل في صندوق مورغان ستانلي الذي من المتوقع أن يضخ لوحده سيولة نقدية لن تقل عن 30-40 مليار دولار أمريكي.
كما أن هاتين النسبتين، من طرف ستحدان من الأموال المتوقع ضخها في السوق عند حد أقصى لن يتجاوز 55 مليار دولار أمريكي تقريبًا (بافتراض ثبات القيمة السوقية الإجماليَّة للسوق عند مستوياتها الحالية دون أيّ تصحيح) وهذا بدوره قد يمنع من دخول مؤسسات ماليَّة أو صناديق استثمارية تريد أن تأخذ مراكز تعكس قيمة السوق الماليَّة السعوديَّة بالنسبة لقيمة بقية الأسواق الماليَّة الناشئة حول العالم، ومن طرف آخر، هاتان النسبتان ستجعلان من عملية انتقاء أسهم الشركات السعوديَّة مقتصرة على أسهم محددة وبشكل عشوائي (بافتراض أن الأجانب حتمًا سيكونون انتقائيين) وهذا سيكون له تبعات سلبية لأننا وضعنا عليهم قيودًا قصوى لنسب غير متناسقة من بعضها البعض.