Culture Magazine Thursday  31/01/2013 G Issue 394
فضاءات
الخميس 19 ,ربيع الاول 1434   العدد  394
 
صدى الإبداع
العلاقة بين الرواية التاريخية والتاريخ:(7-8)
الرواية التاريخية الحديثة
د. سلطان بن سعد القحطاني

 

كما امتد تأثير المدرسة الغربية على كتاب الرواية التاريخية في البلاد العربية، امتد تأثير الجيل الأول من كتابها على الجيل الثاني من كتاب الرواية التاريخية، لكن هذا التأثير -الأول والثاني- يوجد به كثير من التغيرات الفنية، فبينما كان الكاتب يكتب من منطلق تاريخي محض أصبح يكتب من منطلق وظيفي وليس من صياغة تاريخية مباشرة، فالتاريخ مادة في كل زمان ومكان، والتقنية متغيرة من زمان إلى آخر، فجيل نجيب محفوظ مختلف عن جيل سليم البستاني، وفرح أنطون، وجرجي زيدان، وحتى جيل طه حسين(22) الذي تأثر بالزمن الرومانسي في كتابة القصة، كما خرج هذا الجيل عن الروتين المتعارف عليه في زمن ذلك الجيل، وهو الجذب الجديد في اللغة القصصية، والصور الخيالية الجذابة الخالية من المضمون، لأن الهدف كان تقريب الصورة التاريخية في أذهان الشباب عند الكتاب الأوائل، بطريقة أو بأخرى، وأصبحت كتابة التاريخ في المرتبة الثانية عند الكتاب الجدد من الجيل الثاني، أي بمعنى أن التاريخ مادة داخل مادة أكبر، فالحدث التاريخي يوظف في خدمة الأهداف الأخرى فقد كتب نجيب محفوظ ثلاثيته عن تاريخ القاهرة، لكن المتلقي تلقاها بعدة طرق، فالتاريخ فيها ليس مباشرا فجا مدرسيا، بل مادة مغلفة بلغة روائية حديثة وتقنية فنية(23) ولعل هذه المادة التاريخية التي صاغها الروائيون في قوالب جديدة قد بلغت مبلغا كبيرا عند الشباب، ممن يتوقون إلى معرفة التاريخ من خلال قناة جديدة كان لها الأثر الفعال في نفوسهم، وقد نجح عدد منهم في كتابة الرواية التاريخية من منظور إسلامي بعيدا عن الخطب والرصد التاريخي المبالغ فيه، وقدموها إلى الجيل الجديد بأسلوب يختلف عما سبقه من أساليب تاريخية(24)حتى وإن وظفت في النص الروائي بطريقة جانبية فسيكون لها وضع يختلف عن الوضع السردي التاريخي. وليس هناك رواية- أيا كان نوعها- تخلو من الجانب التاريخي، لأن التاريخ مرتبط بالمكان، والمكان بدوره مرتبط بالتاريخ، الذي منه ينطلق إلى العالم، كفضاء تاريخي/ جغرافي، مكونا للنص الروائي.

وقد اتخذت الرواية التاريخية الحديثة منحى يختلف قليلا أو كثيرا عما كانت عليه الرواية التاريخية القديمة، وإن كان وجود الرواية التاريخية القديمة ضروري، كوجود الرواية التعليمية، والقصة الطويلة والسيرة وغيرها من الإرهاصات التي كانت ركيزة أساسية لظهور الفن الروائي الحديث، ومن الضروري أن يبدأ الفن بمثل هذه التجارب، ثم يطورها، فالفن كالطفل ينمو تدريجيا ولا يأتي دفعة واحدة، وهذا عنصر مهم جداً لم يلتفت إليه الدارسون والنقاد من غير أصحاب التخصص الدقيق.

انطلق كتاب الجيل الثاني من كتاب الرواية التاريخية العربية وغير العربية، من بناء الرواية الحديثة، فلم يأخذوا المادة التاريخية ليحولوها إلى نص روائي، يقوم على الأركان التي تحدثنا عنها من قبل فحسب، بل انطلق من رواية فنية مادتها التاريخ، وبناؤها السردي يقوم على اللغة الروائية الحديثة، فكتبت رضوى عاشور ثلاثيتها (غرناطة، مريم، والرحيل) وكان تركيزها الواضح على مدينة غرناطة آخر الممالك الأندلسية حيث سقطت عام 1491، وتنازل الملك أبو عبد الله محمد الصغير عن ملكه، ليتم الرحيل من الأندلس بالنسبة للعرب والمسلمين، وقد نالت هذه الرواية تقدير الباحثين، وترجمت إلى اللغة الإنجليزية وقامت جامعة (هارفارد الأمريكيةHarvard University) بنشرها. والرواية ترمز إلى ضياع الأندلس التي كتبت عنها المجلدات والبحوث وكثير من القصص، لكنها لم تتقن كما أتقنت رضوى عاشور صياغتها في قالب روائي (24) ولم تكن الكاتبة قد وقفت عند ضياع الأندلس من أيدي العرب والمسلمين فقط، بل تعدته إلى ما تمر به البلاد العربية من ضياع وتشتت. وهذا ما عالجه الكاتب، بهاء الدين الطود في روايته التي تحمل نفس المضمون عن الأندلس، فقد عالج في روايته الشهيرة (البعيدون) ضياع ثلاثة أشياء في آن واحد،

- ضياع الأندلس، وهذا شيء مسلم به، كداء لم يوجد له دواء إلى اليوم، وذلك من ضعف العرب.

- تدخل أوروبا الاستعمارية في شئون العرب والمسلمين، وهي نتيجة تعود إلى الأولى.

- ضياع الشباب العربي في وطنه والمنفى وتقبله لسلبيات الثقافة الغربية بدون وعي في التعامل معها(25) فالشاب الذي يدرس في أسبانيا يعمل خادما للأسبان، بينما كان أجداده يسخرون الأجنبي لخدمتهم، وقد صاغ فيها الكاتب نصا روائيا فنيا، مستندا إلى المعلومة التاريخية الموثقة(26) فجمعت البحث العلمي والصياغة الفنية. إن اهتمام الروائي بالأرض (المكان) أمر مسلم به، فالمكان عنصر أساسي من عناصر البناء الروائي وتبقى المادة الروائية، وهنا يعالج الكاتب التاريخ، كمادة روائية تهمنا في هذا البحث، وقد ذكر المؤرخون المكان كمادة تاريخية، وجاء الروائيون ليوظفوا هذا المكان في قالب يخت لف عما قام به المؤرخ، لكن الفضل للمتقدم، كما يقول المثل العربي، فقد وظف الروائي الكبير، خيري شلبي واحدة من خطط مؤرخ مصر الكبير (تقي الدين أحمد بن علي المقريزي) والخُطط تعني المنازل التي يحتلها مجموعة من الناس، وواحدتها تسمى خطة، منها (بطن البقرة)وهي إحدى المنازل التي تقع ضمن باب الشعرية أحد أبواب القاهرة، وقد سماها العامة بهذا الاسم، وصاغها خيري شلبي في رواية تاريخية في بناء روائي ذي توظيف لمادة تاريخية(27) وكان خيري شلبي من المدققين في أحداث التاريخ في كل أعماله، المسرحية والروائية، ومنها روايته المشهورة التي حصدت كثيرا من الجوائز (وكالة عطية) والوكالة تعني السوق وهي تتخذ من أسواق مصر مسرحا لها، ومنها السوق المسمى بهذا الاسم.

وكانت هناك محاولات لا باس بها من بعض الشباب، فيما يتعلق بأجزاء من التاريخ العربي في داخل البلاد العربية، أو ببعض الغزوات التي قام بها بعض المستعمرين في القديم والحديث، فقد تناول منير طلال في روايته (طريق البخور).غزو الرومان للبلاد العربية، وأظهر فيها بطولات العرب، واتحادهم في أوقات الشدة(28) وتناسي خلافاتهم في وجه العدو المشترك، وكشف عن خيانات بعضهم، من خلال حقائق تاريخية موثقة (29)بما تحمل من أسماء للمكان والشخصيات التاريخية المعروفة.

كما كتب حمد بن حميد الرشيدي روايته (شوال الرياض)، عن فتح الملك عبد العزيز لمدينة الرياض في شوال. 1902-1319(30) وكانت محاولة لرصد تلك الحادثة التاريخية، وهناك من كتب قصصا واقعية عن هجرة بعض القبائل من الجزيرة العربية إلى أطراف إفريقيا، ورصد حياتهم الاجتماعية في قصص دارت بينهم وبين بعض القبائل الأخرى، وكيفية تمسكهم بلغتهم وأصولهم العربية، مثل قبيلة (الحمران) التي وفدت من اليمن، واحتفظت بلغتها (الحميرية)، وبعض الحروب التي دارت بينها وبين بعض القبائل(31)، وحدد موقعها الحالي، وكانت رصدا تاريخيا وقصصا على الأسلوب الحكائي.

وهناك كثير من الروايات والقصص التي اشتغل أصحابها على التاريخ في القديم والجديد، لم نتمكن من رصدها لضيق الوقت.

- الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7987 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة