أتمنى من القارئ الكريم أن لا يتوقع أن هناك امرأة تنادي من قبضة الحياة؛ إنما هو نداء لإصلاح واقع لا يحسن التخفي؛ وقراءة لا بد من بسطها؛ وأمر استسلم لعاصفة من فوضى التنظيم؛ وكأن بعض تفاصيله أصبحت خارج الزمن الحي، {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} (سورة القيامة 14 - 15)، وباسم الله أبدأ:
عندما تكون منتجاتنا المعرفية ذات وجوه كثيرة؛ ينبغي أن نتصفحها بعناية؛ ونتعامل مع خطوطها وألوانها، وصورها يقينا منا بأنها تحمل رسالة عظيمة في مضامينها؛ وليست مجرد أبواب للولوج منها لمقابلة الحكايات والروايات سواء ما يرفد بعضها بعضا؛ أو ما يقف منها مخالفا للآخر؛ وإن أهملنا فحص العناوين؛ وواجهات المنتجات المعرفية؛ فالمحتويات اللاحقة قد لا تحررنا من العيون الناقدة لتفريطنا، والقلوب اللاهثة وراء الحقيقة؛ التي ربما اختبأت في خندق صورة أو لون أو صياغة تهوي في مكان سحيق.
نعم قد نصادف من يعترض على هوية الصورة، أو الواجهة الأمامية للمعرفة، لأن مرصده التاريخي صنفها في دلالات لا يقتضيها الحال أو المآل، وأصبحت صوتا لانزياح الفكر الذي لا يتمتع بالحضور أو الحفاوة.
أين علم الدلالة؛ نعم لدينا علم في العربية بهذا الاسم؛ فالتحري والمراجعة لدلالات المعاني والصور في النتاج الفكري المعرفي؛ لا سيما ما يدفع به إلى عقول الناشئة يجب أن يفضي إلى القناعة والرضا المجتمعي؛ إذ إن دواعي التساؤل والتشكيك تبعدنا عن الاستمتاع بالمعارف والعلوم؛ وقد تعلو المعرفة وتهبط بسقطات ما لها من قرار؛ وعادة ما ينأى ذلك بها عن المشاهد الفكرية التي لا لغو فيها ولا تأثيم.
ولا بد أن نشير هنا إلى بعض المعالجات الهزيلة والخافتة؛ لبعض شوائب المنتج المعرفي أمام سطوة الاكتشاف من الذين يستجلبون ما يرون وما يشاؤون من محاذير تتخاصم بلا ريب مع معايير الإنتاج المعرفي السليم وأهدافه.
ومن اللافت للاهتمام أن رحلات اكتشاف شوائب المنتجات المعرفية لا سيما التعليمية منها أصبحت تسير بلا ضفاف؛ خاصة عندما يخاتلنا الرأي الآخر أن تلك العلامات ما هي إلا فضلة، مصطنعة، وترهلاً دلالياً؛ لو حذفت لما انتقص من جسد المعرفة شيء، وربما أنه ما زال في الأفق احتمال أن يعود المكتشفون إلى خريفنا ليبحثوا في يبسه شيئا قد ينزع هيبة المبادئ ويغيب مصداقية الطرح؛ وما الإشارات الدلالية صورة أو نصا إلا أدلة دامغة على صحة الوشائج القادمة التي يحتضنها الفكر داخل الأطر المختلفة؛ والعكس صحيح أيضا.
وقد تكون السياقات الداخلية لمحمولات الفكر خاصة بفئة دون غيرها؛ لكن الأطر الخارجية وبوابات الدخول للمحتوى تمر على كل ربع ومرتبع.
وحتى نتقي نفي أشكالاً كثيرة من المعرفة ومصادرتها؛ لأن بها وقفات وهنات تعكر صفو مائها، وتكدر عبير هوائها؛ فلا ألفة ولا وفاء بين مضامينها وبين نوافذ الإطلالة عليها؛ وحتى تكون أوعية المعرفة لدينا كوامن مضيئة تجذبنا لتتبع شذراتها حين تمنحنا وتمنح ناشئتنا دلالات جديدة بآفاق مختلفة؛ وقيم نبيلة معتدلة؛ تتآزر فيها البصائر مع العقول؛ وتخفق مع وجدان الوطن؛ وتجيب نداءاته نحو الإنماء والنماء؛ نتلقى ذلك كله دون أن تحيطنا هموم الإنتاج الذي ينقلها، أو الفجوات التي تتخلل البناء المنجز، أو الرؤية القاصرة التي تولد أوهام العبور عند من لا يجيدون مهارة القفزات الطموحة عند ذلك كله لا بد لنا من إطلالة مختلفة على بوح يسر السامعين يقول طرفة بن العبد:
إذا كنت في حاجة مرسلا
فأرسل حكيما ولا توصه
وإن ناصح منك يوما دنا
فلا تنأ عنه ولا تقصه
وإن باب أمر عليك التوى
فشاور لبيبا ولا تعصه
وختاماً لقد وردتني فكرة المقال بعد اطلاعي على ما أُثير حول غلاف أحد المقررات الدراسية ولكني أجزم أن للبراق عينا صقر.