تحاول وزارات التربية والتعليم في أقطار العالم العربي أن تطور تعليمها حتى يخدم خطط التنمية ويحاكي أهدافها. ولكن يا ترى هل فعلاً قدمت هذه الوزارات ما يسهم في ذلك؟ الجواب قطعاً لا لعدة أسباب، لعل من أبرزها أن التعليم أبعد النجعة عن أهداف التنمية على مختلف صعدها!! وعندما أتحدث عن إسهام التعليم في مجالات التنمية فإني لا أقصد بالتنمية المنظورة فقط، بل يتجاوز الأمر التربية غير المنظورة أو ما أطلق عليه التربية المعنوية.. إن التعليم يوغل في تراكم معرفيّ والتنمية في غنى عنه! فإذا ما امتدت يدك إلى مقرر دراسي ما فسوف تجد أن هذا المقرر أو ذاك محشو في إسهاب لا طائل لذكره، ولا يخدم الطالب لا من قريب ولا من بعيد في معترك الحياة حينما يمارسها. وليس هذا الأسلوب في مقرر دون مقرر بل في جميع المقررات الدراسية في مراحل التعليم العام بل والتعليم العالي.
فالمقرر الدراسي لم يستهدف به الحياة العملية عندما يمارس الطالب الحياة، وقصارى مادته هي معلومات يحشى بها عقل الطالب، وقد زاحمت معارف مهمة هي من الضرورة بمكان أن يدركها الطالب.
ودعوني أوضح لكم أكثر إن المقرر الدراسي محشو بكم من المعارف الكثيرة المهمة وغير المهمة! فمثلاً لو وقفت عند باب مدرسة ما وقلت لأول طالب يخرج إليك يا فتى كيف نوجد مساحة أرض مربعة الشكل فإن إجابته تقصم ظهرك حينما يقول لا أدري! ولو قلت لطالب آخر ما هي النسبة المئوية للعدد كذا فإن إجابته مثل سابقه! وما ينطبق على مقرر الرياضيات مثلاً ينطبق على جميع المقررات الدراسية من دون استثناء يذكر.. هذا بالنسبة للجوانب المعرفية الصرفة. وكذلك الأمر بالنسبة للجوانب التربوية والتهذيبية فإن الطالب لم يكتسب أي تربية! فيجب أن يكون هناك تهذيب يعصمه من الهبوط في قيعان الضلال وأردهات الباطل.. وإلا قولوا لي بالله عليكم لو أن الطالب اكتسب تربية وتزكية، لما كتب على سور المدرسة التي ينهل العلم منها وكأنها بيته الحاضن نراه يكتب على أسوارها كلمات تخل بالآداب العامة والذوق الرفيع! لا أريد أن أوغل في تفاصيل صغيرة تصرفني عما أنا بصدده وهو الجانب المهم وهو إسهام التعليم في خطط التنمية التي توجه ثمارها للعام والخاص.. إن هناك هوة لا يمكن ردمها بين الخطط التنموية ومخرجات التعليم بسبب أن عقل الطالب شُغل بمعارف لا تقصدها التنمية لا من قريب ولا من بعيد، فالطالب يهيم في واد والمُخطط يهيم في وادٍ آخر. إذا كان من متطلبات التنمية الواعية هو إعداد رجل يُعول عليه في تكريس حب الانتماء للوطن والحفاظ عليه والذب عن حياضه ويجلب لوطنه ما هو مفيد، ومخرجات التعليم أتت بطالب لا يملك حسا في ميادين المواطنة ولا الولاء له. وإذا كان من متطلبات التنمية الواعدة إعداد رجل يتحلى بالأمانة والصدق وهذه المبادئ لم تُفعل عند الطالب على كرسي التعليم وتحت قبب الجامعات فعلى ذلك قيسوا. إذ إن التعليم عندنا في بلدان العالم العربي لا يعدو أن يكون حشوا يملأ به عقول الطلاب! إن التعليم في بلدان العالم العربي يرهق الطالب بما هو في غنى عنه، وقد قفز إلى ذهني شيء مهم ألا وهو إن المعارف المهمة التي لابد أن يدركها الطالب قدمت له بأسلوب لن يتسنى للطالب فهمها أي بأسلوب معقد لا يدرك الطالب مضامين وأهداف هذا المقرر ، إذاً من لوازم التعليم أن يحاكي متطلبات التنمية في بلداننا ولا يشط عنها بأي حال من الأحوال وإلا كان تعليما يرهق الموازنات العامة.
إن تلك الدول الأخرى في هذا النسق الدوليّ الرحب قطعت أشواطاً كبيرة في مضامين التنمية لأن تعليمها يحاكي متطلبات تنميتها، إذا من الواجب أن تنسجم المادة التعليمية مع أهداف التنمية ولا تبارحها إلى أشياء أخرى تصطدم معها، إن حراك التعليم عندنا في العالم العربي هو تعليم يتدثر بلباس النظري أكثر من كونه يتدثر بلباس المادي المحسوس، إن من واجب التعليم عندنا أن يدلف بالطالب لأرض الواقع، وقد قدم له مادة تملك وسائل السعادة وتحفظها إن وجدت وما الدولة إلا الحارس لشخص عرف وسائل السعادة عبر تعليمه.