من الأمور النفسية المعروفة أن النفس الإنسانية تميل إلى اللهو واللعب والشهوات، والأمور السهلة اليسيرة التي لا تنفع الإنسان في دينه ولا في دنياه. ويزيد الأمور سوءاً وصعوبة تزيين الشيطان له تلك الأمور إلى النفس، ووسوسته إليها بأنها نافعة له، وجالبة للراحة النفسية، إلى غير ذلك من الأوهام والوساوس. وثالثة الأثافي أن شياطين الإنس يزينونها للمرء، ويزخرفونها له، حتى يصل الأمر بالإنسان إلى استثقال الطاعات، والتكاسل عن القيام بالواجبات، واستصعاب الفرائض والنوافل، فمن ذلك:
أولاً: أنك تجد بعض الناس قد بلغ الخمسين، أو تجاوزها من عمره، وهو لم يحج حجة الإسلام التي هي ركن من أركان الإسلام، وقد اكتملت شروط وجوب الحج عنده. وعندما تسأله عن سبب ذلك تجد عذره أن الحج فيه مشقة عليه، وأن بنيته الجسمية لا تتحمل الزحام، أو أن يدّعي أنه لا يملك نفقة الحج، وتكاليف إحدى حملات الحج.
وبعد قليل تجده يفتخر بأنه قضى إجازته في إحدى الدول الأوروبية، أو على الأقل في أحد مصايف المملكة، وأنه أنفق الآلاف من الريالات في ذلك!!
عجيب من أن يستطيع قضاء الإجازة بآلاف الريالات ولم يستطع الحج الذي تكاليفه أقل من ذلك، مع أنه فرض عليه!!
ثانياً: أنك تجد كثيراً من الناس لا يذهبون إلى المسجد إلا بعد الإقامة، ويقضي ما فاته من الصلاة بسرعة غريبة، ولا يكاد الإمام يسلم حتى تجده خارج المسجد، وعندما تسأله عن السبب وتنصحه يجيب بأنه في غاية العجلة من أمره، وأنه ليس له متسع من الوقت، ثم تفاجأ به وهو يتبادل الحديث مع صديقه أمام المسجد مباشرة بنصف ساعة وساعة، أو تجده متسمراً أمام التلفاز لمشاهدة المباريات بالساعات. فمن أين نزل عليه هذا الفائض العظيم من الوقت؟!
ثالثاً: أنك تجد بعض الأشخاص مقصراً كل التقصير في أعمال الخير، من الصدقة، وإغاثة الملهوف، وإطعام المحتاج.. والسبب ضيق ذات اليد، وارتفاع تكاليف الحياة، وكثرة المسؤوليات، إلى غير ذلك من الأعذار الواهية، وتجده مسرفاً في أمور كثيرة.
كما تجده يتباهى بهاتفه الجوال، وأنه أحدث ما صدر في الأسواق، وأنه اشترى لكل واحد من أولاده جوالاً عصرياً، وأحدث وسائل الألعاب. فأين ضيق ذات اليد؟ وأين تكاليف وأعباء الحياة؟!
وعند دراسة مثل هذه السلوكيات العجيبة لا تجد لها تفسيراً إلا ضعف شخصية المتصف بها، وأنه لا يستطيع مخالفة نفسه، ولا معصية هواه، وأنه قد سلم زمامه للشيطان يقوده كيف شاء.
وإلا فإن قوة الشخصية عند الرجل والمرأة على السواء تنطلق من عدم اتباع هوى النفس، ومن إرغامها على مصالحها الدينية والدنيوية، وحملها على طاعة الله، ابتغاء الأجر والمثوبة عند الله؛ لأن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة.
وما أجمل قول الشاعر:
وخالف النفس والشيطان واعصهما
وإن هما محضاك النصح فاتهم