كُتب لي في نهاية شهر ربيع الثاني من عام 1433 أن يتعكر مزاج سفري. مزاج كان في تلك الرحلة عالي المستوى والارتياح والتشوق لما انا مقدم عليه حيث تتجه بوصلة إحساسي قبل وجهة سفري إلى بينالي الشارقة الذي دعيت لحضور انطلاقة دورته الحادية عشرة، وبما كنت أضعه من تصور وتوقع للمقارنة بين هذه الدورة وما سبقها من دورات عشت أروع الأوقات مع مختلف الأعمال الفنية التي شارك بها فنانون من مختلف دول العالم، إضافة إلى ما يقام في متحف الشارقة (للفن الحديث) من فعاليات (لاحظوا (بينالي ومتحف) إضافة إلى ما أمر به قبل وصولي إليها جميعا بمطار دبي وبما ازدان به من لوحات لفنانين من الإمارات في مقدمتهم الفنان عبد القادر الريس، الريس تحول بها إلى متحف للفنون.. أفقت من ذلك التخيل والترقب وما تحظى به الفنون التشكيلية في أقرب الدول وأقلها إمكانات مقارنة بما نحن عليه على مشهد نشر توثيقا عنه في هذه الصفحة في السابع من جماد الأولى عام 1433هـ العدد 14428 بعنوان (مؤسسة إنشاءات تتلف اللوحات التشكيلية في مطار الملك خالد)
كنت أتوقع أن يجد رد فعل من المسئولين في المطار حيث تمثل ذلك المشهد في استهتار فاضح بالأعمال الفنية التي قام على تصميمها أو أخذت من أعمال فنانين سعوديين رواد، طبعت على خامة السجاد بأحجام كبيرة، أضفت جمالا على جمال مطار الملك خالد بالرياض (عمرها بعمر افتتاح المطار) بعثت ارتياحا للمنتظرين رحلاتهم الذين تغص بهم الصالات أو من يمر بالممر الذي تقع عليه تلك الجداريات الكبيرة، حيث قامت العمالة المنفذة لمشروع (صالة جديدة) بوضع قواعد حمل السقالات على تلك اللوحات مع ما أصابها من غبار وأتربة جراء أعمال البناء والتشطيبات اكتفت تلك الشركة بوضع لوحة تحمل عبارة اعتذار عن الإزعاج جراء أصوات الآلات وحركة العمالة دون أدنى اهتمام بتلك الأعمال.
المشهد الثاني
والصدمة الكبرى
وبعد عامين من ذلك الموقف، وذلك المشهد تلقيت موقفا ومشهدا أكثر صدمة من سابقه توافق مع رحلتي إلى ابها التي لافتتاح معرض المحطة الثالثة للملتقى الأول للجمعية السعودية للفنون التشكيلية شارك به منسوبو الجمعية الذين تجاوز عددهم السبعمائة فنان مع علمي أن عدد التشكيليين والتشكيليات في وطننا الغالي أكثر وأكبر من هذا الرقم بعد وقت رافقني في هذه الرحلة الزميلان الفنان احمد المالكي مدير فرع الجمعية في الرياض والفنان فيصل العتيبي المسئول الإعلامي في الجمعية شاهدوا وشهدوا، حيث كانت الصدمة لنا جميعا عندما شاهدنا ما حدث لثلاث جداريات عند البوابة واحد وثلاثين ينطبق على ما تم فيها من إتلاف على المقولة (جاء يكحلها فأعماها) إذ قام من كلفوا بتنظيفها بغسلها بالماء او بغيره من مواد التنظيف فأزالوا كل ملامحها ولم يتبق منها إلا خطوطا وألوانا لا تدل على ما كانت عليه او ما كان فيها.. تشوهت بكل ما تعنيه الكلمة.
جهل وتجاهل
هذا التصرف مع هذه الأعمال يؤكد خلو من عني بالاهتمام بالمطار (جانب الصيانة) بأي ثقافة أو وعي بالقيمة لهذه الأعمال وأنها تشكل إرثا حضاريا يجب الحفاظ عليه ورافدا من روافد ثقافة الوطن وأن وضعها في المطار يشكل شهادة وتقديرا وتقييما حضاريا للفنانين التشكيليين من جانب المسئولين عن تجميل المطار قبل افتتاحه بوضعها في هذه ألاماكن التي تعج بالمسافرين خصوصا العرب أو الأجانب الذين سيحملون في ذاكرتهم الرسالة البصرية التي تمثلت في وجود الفن في هذا المطار وفي تلك المساحات رسالة تكشف ما تحظى به الفنون التشكيلية في هذا الوطن من اهتمام ودعم. لقد كشف هذا التصرف جهل أو تجاهل المعنيين بالصيانة، إن لمثل هذه الأعمال وصيانتها متخصصين يدرسون نوع الخامة ويوجدون لكل ما يحدث لها الحلول والمعالجة وان أي التعامل معها من غيرهم انتهى بما انتهت إليه من طمس وتشويه.
اكتشاف لسوء التنفيذ
مع ما يشعر به الفنانون ومحبو الفنون التشكيلية والمؤمنون بأهميتها تجاه ما حدث للوحات فان ما حدث كشف أيضا سوء التنفيذ الذي تمت به طباعة تلك اللوحات من أصولها وبألوان لا تصمد لأقل تعامل معها كما رأينا، فالمعروف عن أعمال السجاد أنها مشغولة بطريقة تضمن استدامتها، كما هي قطع السجاد المعروفة والمختلفة القيمة الإنتاجية ونوعية الخامة إذ إن لكل منها طريقة غسلها وتنظيفه حتى لو غسلت بالماء والصابون دون أن تتأثر مع أن صيانة اللوحات أكثر حساسية وأهمية واختيار أعلى درجات الصيانة لئلا تتأثر عناصرها أو ألوانها .
الجمعية تعتب وتطالب
هذا التصرف والإهمال وعدم الاكتراث بالمطالبات التي طرحت سابقا من أجل الحفاظ على هذه الأعمال أزعج منسوبي الجمعية السعودية للفنون التشكيلية واعتبرت الجمعية أن ما حدث لتلك اللوحات خسارة للفن ولتاريخ الثقافة السعودية التي يشكل الفن التشكيلي أحد روافدها، دون أدنى اهتمام بقيمتها الفنية والقيمة المادية التي صرفت على تنفيذها، ولهذا فان الجمعية تطالب المسئولين في المطار الاهتمام بما تبقى ان كان هناك أعمال لا زالت سليمة.