نفكر في المدرسة دائما عبر معلميها ومناهجها ثم طلابها ثالثا ومن القليل أن نعطي أهمية كافية مثلا للطريقة التي تدار بها إمكانات المدرسة بشرية ومادية كما من القليل جدا أن نعطي أهمية كافية لاتجاهات المتعلمين نحو عملية التعلم ودورها في تحقيق هدف العملية التعليمية.
ولكي ندرك حجم أهمية ذلك، لنا أن نتصور لو أن أحدا يعمل في بنك أو في مؤسسة حكومية وكل ما يعنيه هو حصوله على الراتب في نهاية الشهر فكيف سيكون أداؤه اليومي؟ وكيف ستكون القيمة الإنتاجية لعمله وتحقيقها لأهداف مؤسسته؟
هذا هو التلميذ في المدرسة: هو في الحقيقة موظف (بشكل أو آخر) لدى مؤسسة المدرسة وهو من يتلقى موادها ويغربل إمكاناتها لصالحه فإذا امتلك أهدافا واضحة واتجاهات إيجابية نحو الرغبة في التعلم والاكتشاف تمكن من تحقيق هدف التعلم الذي هو سبب وجوده في المدرسة أما إذا تولدت بعض الاتجاهات السلبية بفعل عوامل ثقافية أو شخصية أو لم يتضح لماذا هو في فصله يدرس مادة بعينها فمن الصعب أن يتحقق الهدف الكلي لعملية التعلم.
لا تنسوا أن أبناءنا جميعا مرغمون على الذهاب إلى المدرسة كل يوم. لا أحد يستطيع أن يبقى في البيت بحجة التعلم في المنازل كما تتيح ذلك مجتمعات أخرى وبذا يتحول فعل التعلم إلى عادة يومية غير واضحة المعالم وتتحول المدرسة إلى سجن صغير يعتقل فيه الأطفال إلى ما بعد صلاة الظهر.
أظهرت نتائج الاختبارات العالمية المسماة (تيمز) بأن الأطفال ممن يحققون درجات جيدة في موادهم وخاصة العلوم والرياضيات لديهم آباء محفزون يعتنون بالتعليم ويؤكدون على أهميته ويوضحون النتائج المستقبلية للعمل الجاد الذي ينعكس على عمل التلميذ اليومي في المدرسة؟
ما الذي نجده في المدرسة السعودية مقارنة بغيرها من البلدان؟ لا أحد يدري على وجه التحديد إذا لم تقم دراسات استكشافية لدراسة اتجاهات التلاميذ نحو العمل المدرسي في علاقته باتجاهات وتعليم وتركيبة الأسرة وعدد أفرادها وغير ذلك من المتغيرات التي قد تؤثر على النتائج لكن الملاحظات العامة وأحاديث الأمهات خصوصا توضح أن الكثير من التلاميذ وخاصة في القطاع الأهلي غير ملزمون بأن يكونوا طلبة جادين يستمتعون ويستفيدون من عملية التعلم. هم سينجحون في كل حال.. درسوا أم لم يدرسوا فالأهل هم من يدفع أقساط المدرسة التي يتوقع أن (تنجح) الأبناء بغض النظر عن مستوياتهم الدراسية مما يولد مناخا محايدا أو حتى سلبيا نحو عمليات التعلم والمثابرة كما يؤدي إلى خلق مناخ مدرسي يؤكد على (الذكاء) عند (التفويت) و(التهرب) من العمل المدرسي بل ستلاحق الألقاب السلبية كل من يحاول أن يظهر (دهشة) التعلم أو السؤال حيث سيحاصره بقية الأطفال بالعبارة المشهورة: لا تصير دافور! وتدريجا تصبح هذه العبارة إحدى وسائل (التنمر) (والإيذاء) التي يمارسها الطلاب بينهم وخاصة البنين وقد يتم إقصاؤهم من مجموعات أصدقائهم إذا اظهروا تفوقا (يذكر بقية الطلاب بكسلهم)! وهو ما يمثل تهديدا حقيقا لذاتية الصغار والمراهقين ويرغمهم على تبني اتجاهات لا مبالية بعملية التعلم ليكونوا ضمن (المجموعة)!
مدارس البنات لديها بالطبع جزء من هذا المناخ غير الصحي لكن يضاف له أن هذه البنت ومنذ صغرها تسمع القول المؤثر يردد حولها (بس عساها تعرس)؟
لا يوجد غرض محدد من ذهاب الفتاة للمدرسة سوى محو الأمية وشغل الوقت وانتظار زوج مناسب ولا يمكن لطفلة جاهلة في عصرنا الحاضر أن تحظى حتى بنصف رجل فالأحوط لأهلها أن تبقي في المدرسة حتى (يكفلها الله)! ثم أين ستذهب الفتاة على أية حال إذا لم تذهب للمدرسة؟ أين ستتجمل وتمشط شعرها وتغير جوا، طالما هي في حياتها اليومية ممنوعة من الخروج من المنزل واللعب في الشارع مهما صغر سنها كما تفعل باقي صغيرات العالم؟
كل هذا يولد اتجاهات خيالية وغير واقعية تجاه التعليم الذي يبقى في ذيل اهتمامات الأهل والطالب فلا يتحقق ما تراه الدولة والأمة من طلابها وطالباتها.
مشكلة خلق اتجاهات إيجابية نحو التعلم أمر أساسي لتحقيق هدف التعلم وخلق بيئة تعلم ومناخ مدرسي إيجابي الذي يساهم في خلق هذا هم الأهل أولا بتغيير رؤيتهم إلى تعليم أبنائهم من مجرد عادة يومية إلى عملية إبداع وخلق وتغيير في ذهن الطفل يشحذ طاقته ويصنع مستقبله كما تساهم المدرسة في ذلك عن طريق تبني أهداف واضحة وتستخدم لها رموزا تبقى مع الأطفال كما تفعل كل مدارس العالم مثلا: في كل عام تختار المدارس والجامعات الأمريكية أياً كان مستواها (وهذا مجرد نموذج إذ إن هذا موجود على مستوي العالم ككل) رمزا معينا مثل (اللون الأخضر) أو الأزرق أو رسم حيوان أو نبات معين ليكون رمزا لكل النشاطات التي ستقوم بها المؤسسة التربوية لذلك العام ويربط هذا الرمز بعبارات محفزة ومشجعة تبني حولها الكثير من الأنشطة خلال السنة بما يحقق أهداف العملية التعليمية... ألم نقل منذ زمن إن العملية التعليمية أكثر وأكثر تعقيدا مما نتصور؟ إنها اجتماعيات التربية: الجزء الاجتماعي من التربية الذي يدير الجميع ولا يفهم تأثيره أحد.