الليلة، وفي ساحة الأمجاد، في درة ملاعب آسيا، تتركز أعين آسيا بأكملها - ما ضاق منها أو اتسع - لمشاهدة الفصل الأول من مواجهة زعيم القارة وعين الإمارات. لقاء ليس لأصحاب القلوب الضعيفة أبداً؛ فقلق العشاق والكارهين واحد، ولا حدود له.
الهلال في نصف النهائي للمرة الثانية لهذه البطولة بشكلها الجديد، وهو الحاصل عليها بثوبها السابق مرتين، والحائز أربعة ألقاب أخرى مختلفة التسمية. تلك البطولات الست التي نصبته سيداً وزعيماً على كبرى قارات العالم رغم ابتعاده الطويل عن ملامسة ذهبها.
تعجبت دوماً من غضب الهلاليين عندما يتم التندر عليهم من أنصار منافسيهم كلما عجزوا عن خطف اللقب، وكيف يتم سحبهم للالتفات إلى الوراء لمناقشة من يقبعون خلفهم مفندين للأعذار والمعوقات التي منعتهم الفرح الآسيوي. ألا يعون قبل غيرهم أن ما يتم طرحه هو شهادة تفوق واعتراف ضمني بأن عثرة الكبير لا تشابه تخبط من دونه؟ بل كيف يقبلون الخوض في جدل مع من لم يعرف طعم البطولة هذه إطلاقاً، أو مع من لا يستوعب أساساً لذة الجلوس على عرش هذه القارة.
لذلك أقول: يجب على الهلاليين تحويل النقاش إلى داخل البيت الأزرق، ومحاولة كسر الرقم القياسي للبطولات الآسيوية الست الذي لا يحمله سوى فريقهم. فرغم الابتعاد لا يزال الزعيم يغرد خارج السرب، ولا يوجد أجمل من منافسة الذات طمعاً في مجد أعلى وإنجاز أعظم. أما الالتفات للغير فهو بالضبط يشابه وضع الطالب النجيب في قاعة الامتحان، وهو قادر على اجتيازه بتوفيق الله ثم بجدارته، لكنه يقطع استرساله في كل لحظة بسبب طالب مطرود من القاعة، يقوم برجم زجاج النافذة لمجرد التشويش لا أكثر. فبالله عليكم، أيكمل امتحانه أم يترك القاعة ويذهب للجدال خارج الأسوار؟
ومن أجل كل ما سبق، ولأجل كل ما سيلحق، تتبين أهمية البطولة الآسيوية للهلال على وجه الخصوص. فالزعامة وإن كانت محفوظة له حتى الآن، لكنها تتطلب إعادة التذكير وزيادة في التأكيد. وكل ذلك لن يتأتى بمجرد أمنية عابرة أو رغبة مهما كان جموحها لا تنعكس على أرض الملعب وعلى مدرجاته. لذلك نعيد قولنا الموجه لقائد الكتيبة الزرقاء (ريجي): بعض القناعات يجب أن تتغير الليلة، بلا مجاملات أو تصورات أثبتت اللقاءات السابقة بُعدها عن الواقعية. ونقول للاعبي الهلال: مهمتكم صعبة وليست باليسيرة؛ لأن نيل المجد لم يكن يوماً من الأيام طريدة ملقاة على قارعة الطريق، تنتظر أي عابرٍ ليلتقطها. الضغوط عليكم كبيرة بمقدار الثقة بكم، ولو لم تكونوا أهلاً لها لما طالبكم أحد بما لا تملكون. ارتقوا بقدراتكم وإمكانياتكم لتبهروا أنفسكم قبل جمهوركم، واعلموا أن ما ستخطه أقدامكم على أرضية الملعب سيتم نسخه حرفياً في صفحات المجد والذهب الذي يملأ جنبات ناديكم الكبير.
لقاء لا يحتمل سوى الفوز، والتسجيل بكثرة لمنع المفاجآت ذهاباً أو إياباً. فالخصم عنيد، وكرة القدم أعند، فطوعوها رغماً عنها؛ لتنعموا بمتعتها التي لا تشابه أي متعة.
وحدهم هم (هوامير الصحراء)، جماهير الهلال الذين لا يحتاجون لدعوة أو رسالة من أحد. فمن أبهر آسيا بأجمعها حضوراً وجمالاً وتفاعلاً يعي تماماً أهمية دوره وأهمية المرحلة. لذلك سننتظر طلتهم الجميلة مجدداً؛ ليباروا نجومهم في الميدان في سباق متعة، يحسب لهم أولاً، ولوطنهم ثانياً، كواجهة مشرقة لرياضة وطن.
بالتوفيق للهلال في تطويع تلك البطولة المتمنعة. فحتى الدلال له حدود.
خاتمة...
وَعَلَّمَنا بِناءَ المَجدِ حَتّى / أَخَذنا إِمرَة الأَرضِ اغتِصابا
(أحمد شوقي)