أجّلت هيئة كبار العلماء في المملكة أمس، حسم الرأي الشرعي حيال حكم فرض رسوم على الأراضي السكنية «البيضاء» الواقعة داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات إلى يوم غد الثلاثاء، الذي كان من المقرر النظر في الموضوع الذي يأتي ضمن مشروع نظام أعدته وزارة الإسكان، ضمن عدد من القضايا الفقهية والطبية والاقتصادية ذات الشأن العام المحالة لهيئة كبار العلماء من المقام السامي ومن بعض الجهات الحكومية خلال اجتماع أعضائها في الرياض أمس.
وعلمت «الجزيرة» من مصادر مطلعة، أن الهيئة أجلت البت في حكم فرض الرسوم على الأراضي البيضاء إلى الغد، وسيكون هناك عدة اجتماعات من أجل أخذ آراء المفكرين والمستشارين في هذا الجانب، لمعرفة الآثار المترتبة على القرار والانعكاسات الإيجابية والسلبية.
وألمحت المصادر إلى أن هناك معلومات متضاربة حول إقرار الزكاة على الأراضي البيضاء، مبينة أن الأقرب هو فرض الرسوم على العقار بدلاً من فرض الزكاة.
ومن المعلوم أن شريحة كبيرة من أفراد المجتمع تنتظر حسم موضوع فرض رسوم على الأراضي السكنية «البيضاء» في ظل الطلب المتزايد على المساكن في السعودية، والارتفاع المذهل لأسعار الأراضي السكنية في بعض المناطق، الذي يعتقد أن النظام يمكن أن يسهم في حل هذه المشكلة، حيث من شأن تلك الخطوة في حال إقرارها أن تسهم في كسر الاحتكار الذي أوصل أسعار الأراضي إلى مستويات عالية.
وتشير بعض الدراسات المسحية المؤكدة لدى وزارة الإسكان إلى أن نسبة احتجاز الأراضي داخل النطاق العمراني في المدن الكبرى بلغ 45 %، وهو الأمر الذي جعل بعض المهتمين ينادون بضرورة فرض رسوم على الأراضي، خاصة تلك التي تظل أعواما طويلة بيضاء دون استفادة منها أو استغلال، في الوقت الذي يزيد سعرها عاما إثر عام، خاصة في ظل احتكارها من قبل بعض ضعاف النفوس وتحديد الأسعار من قبلهم، مستغلين عدم وجود جهات رقابية تراقب عمليات المضاربات على هذه الأراضي وتأثيرها في ارتفاع الأسعار. كما حذروا من أن عدم الأخذ بهذا القرار من شأنه أن يخدم شريحة صغيرة هم التجار «هوامير العقار›› فقط، في حين يلحق الضرر بالسواد الأعظم من أبناء المجتمع الذين يسعون لبناء مساكن خاصة، إلى جانب أنه يتسبب في زيادة مساحات الأراضي المجمدة، الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار الأراضي واستغلالها وقلة المعروض للبيع، وهو ما يسهم في ارتفاع تكاليف الإيجارات، معتبرين أن تجميد رؤوس الأموال (كنزها) في الأراضي لفترة زمنية طويلة بغرض رفع قيمتها مخالفة صريحة أسوة بكنز الذهب، الذي توعد الله سبحانه بإنزال العقوبة عليه.
وكانت مصادر مطلعة قد كشفت لـ«الجزيرة» في وقت سابق، أن مشروع نظام الغرامات على الأراضي البيضاء غير المستغلة الواقعة داخل النطاق العمراني للمدن ستطرحه وزارة الإسكان ضمن منظومة دعم الحلول الإسكانية، التي ستشمل أيضاً إعادة طرح صندوق التنمية العقاري للقروض الاستثمارية للمطورين والأفراد التي كانت تقدم في فترات ماضية وبدون فوائد للمواطنين المستثمرين بهدف تشجيعهم على إقامة مجمعات استثمارية تحتوي على وحدات سكنية متعددة كمكاتب ومعارض، إذ تغطي هذه القروض 50 % من تكاليف البناء بحد أقصى قدره 10 ملايين ريال. وقالت المصادر في حينه، إن الغرامات المقترحة التي تصل إلى 150 ريالا على المتر الواحد للأراضي التي تبلغ مساحتها أربعة آلاف متر مربع فما فوق، ستطرح ضمن منظومة دعم الحلول الإسكانية حيث ستتيح الوزارة من خلال صندوق التنمية العقاري بعد أن أصبح تحت مضلتها للمستثمرين قريبا القروض الاستثمارية لتشييد وتملك الوحدات السكنية التي أوقفت قبل فترة وذلك لدعم الاستثمار العقاري لتوفير العرض من المساكن.
وكان مسؤولون في وزارة الإسكان قد حذروا خلال مناقشة التقرير السنوي للوزارة مع لجنة الإسكان والمياه والخدمات العامة في مجلس الشورى مؤخرا من ارتفاع نسبة الأراضي البيضاء غير المستغلة داخل النطاق العمراني، وأن الوزارة ترى أنها عائق للتنمية عامة وللسكانية على وجه الخصوص وهي ثروة اقتصادية معطلة والمصلحة فيها منصبة لفئة قليلة من المجتمع مقابل إضرار عدد كبير من الناس الذين لم يجدوا مساكن، مما اضطر الدولة أن تعطي منحا بعيدة عن العمران وتمدد الخدمات لها بمئات الملايين بل قد تصل التكاليف مليارات، مشددة على أن الأصل تقديم المنفعة العامة على الخاصة، وأكدت أنه لن تكتمل معالجة قطاع الإسكان في المملكة إلا بمعالجة وضع الأراضي البيضاء التي كلفت الدولة موارد باهظة.