في مثل هذا اليوم، أقدم ثلاثة أشخاص بعمل غير مألوف صُنف بعد ذلك بأنه إرهابي، ولكن الأكيد أنه غيِّر مجرى التاريخ الحديث، في مثل هذا اليوم الموافق الحادي عشر من شهر سبتمبر من عام ألفين وواحد ميلادية قام ثلاثة أشخاص - بغض النظر عن دوافعهم وتوجهاتهم، أو الأسباب الكامنة خلف ما فعلوه، أو عمن حركهم أو من سهَّل عملهم، وعما إذا ماكانت الرواية برمتها من أولها إلى آخرها فيلم «اكشن» من تأليف وإخراج مخابرات ذات إمكانات عالية وخبرات متراكمة، أو كان وراءها منظمات إرهابية أو جماعات - ففي النهاية قد حدث ماحدث وانتهى، ولكن قد ترتب على ما فعلوه ردود أفعال كثيرة وآثار عديدة وتداعيات أليمة عميقة، ولا تزال تلك التداعيات قائمة حتى الآن، وسوف تستمر ولن تتوقف مع مرور الأيام والسنوات؛ ذلك الحدث هو اختطاف ثلاث طائرات تابعة لشركات أمريكية ومن الأراضي الأمريكية نفسها وضرب مركز التجارة العالمي الكائن في قلب أمريكا النابض وهي مليئة بالركاب الأمريكان؛ مما أدى إلى قتل جميع من فيها وقتل آخرين في المبنيين المتجاورين اللذين كانا معلماً من معالم نيويورك بل معلماً من معالم العالم بأسره سواء بالدور الذي يلعبه المركز في التجارة العالمية أم بالتصميم المتفرد والمتميز له.
فعندما أنهار المبنيان تلى ذلك أحداث كثيرة وانهيارات متوالية ولازالت تلك التداعيات مستمرة حتى الآن، فلقد قتل جراء ردود الفعل تلك الملايين من البشر، وتشرد أضعافها، وتغيرت حياة الكثير منهم، بل تغير وجه العالم بأكمله.
يوم واحد ولحظة واحدة حركت جيوش، وأسقطت رؤوس، وتغيرت حكومات، ونشأت خصومات، وقامت حروب، وتغيرت أفكار، وتزحزحت مفاهيم، وحادت عن المسار توجهات، ولازالت نتيجة لذلك الحدث تتتابع التداعيات.
ليس المهم الآن من وراء تلك الأحداث، وما الأسباب الحقيقية خلفها؛ سواء أكانت اقتصادية استباقية أم سياسية أم دينية أم عرقية، وإنما المهم أنها حدثت فأحدثت الكثير من التغيرات في نفوس الملايين من البشر؛ فمنهم من غير أفكاره، ومنهم من حور معتقداته، ومنهم من دمرت حياته ومنهم من فقد أصحابه وأحبابه، وعلى النقيض من ذلك استفاد من تلك الأحداث أُناس فأصبحوا من أصحاب الملايين، بعد أن كانو من أصحاب «الملاليم» وصاروا في فترة وجيزة شيوخاً يشار لهم بالبنان وأعلاما من أعلام الزمان.
تلك الأحداث أيقظت عقولا من سباتها العميق، وانتزعت قلوبا من ظلام سحيق. تلك الأحداث أهلكت الأخضر واليابس، وأحرقت الأموال و المقدرات، وأهانت هامات وأسقطت قناعات، وكشفت عن أقنعة زائفة وشعارات.
نذكرها ونتذكرها بعد مرور العديد من السنوات حتى نعي الدرس منها والعبرات، وكيف على الإنسان أن يعي ويتابع بحذر ولا ينجرف خلف الشعارات الزائفة ولا تحركه الكلمات الرنانة الموجهة والمسيسة، ولا ينجرف خلف الأوهام المضللة والأحلام الواهية التي تزرع في العقول الشابة وتُبنى في المخيلات فيصدقها الكثير متوهمين، فيصبحون في مهب الريح تتقاذفهم الأمواج يمنة ويسرة ويسيرون مع التيارات أنى سارت لا وجهة لهم ولا مقصد ولا ركيزة لهم ولا معتقد، فنجدهم يوماً مع هذا وشهراً مع ذاك لا يعون مايفعلون بل يحركهم الآخر ويملي عليهم ما يفعلون، لا شخصية لهم، فتجد الواحد ليس له رأي أو قناعة ذاتية لأنه يثق في نفسه أو في قدراته، بل الرأي لغيره الذي سلَّم أمره له فقد يجره إلى الهلاك، فيهلك نفسه ويهلك معه الكثير من الناس الأبرياء.