كثير من الأصدقاء يسأل عن حياة أخي الفاضل وزميلي العزيز وابن خالي الوفي عثمان الحملي، الذي توفي قريبا، إذْ تخفى عليهم كثير من سيرته ومواقفه وصفاته، فأحببت أن أضع إلماحات سريعة تنبئ عمّا وراءها، فأقول:
هو الشيخ أبو يحيى عثمان بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى الحملي، من نسل الشيخ علي بن إبراهيم الجباري الحملي، وتعود أصول قبيلتهم إلى همدان، وهم من قحطان، وهي قبيلة عربية مشهورة من أصول العرب، ذكرهم السمعاني في الأنساب، والهمداني في الإكليل، وابن الأثير في اللباب، وغيرهم.
ومنهم الصحابي موله بن كثيف بن حمل، يقال له ذو اللسانين لفصاحته، ومنهم علماء ومؤلفون في القرون الماضية، ومنهم محمد بن أحمد الحملي أمير الأحساء في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز في الدولة السعودية الأولى في قرابة عام 1200هـ.
ومنهم الجدّ الفقيه العالم الشيخ يحيى بن محمد إبراهيم الحملي، المشهور بـ(الفقيه).
ولهم أراض زراعية وسكنية قديمة، وآبار ومساجد وأوقاف في محافظة صامطة، معلوم بعضها إلى الآن.
والد أخينا عثمان هو يحيى بن إبراهيم الحملي، تلقى العلم في المدرسة السلفية بصامطة، وعيّن إماما لأحد مساجد مدينة جازان ثم التحق بالأعمال الوظيفية، وعثمان أكبر أولاده.
وأمه ليلى ابنة الرجل الصالح أحمد (صغير) بن يحيى الحملي، كان صالحا عابدا، توفي فجأة وهو يصلي وهو صائم في يوم عاشوراء، وقد درست أم عثمان في السبعينيات مع أخواتي الكبيرات وغيرهن لدى معلمة البنات المرأة الصالحة أم محمد هدية بنت عثمان بن عثمان الحملي، وهي خالتي وأختي من الرضاعة حفظها الله، وكان قد علّمها أبوها ثم فتح لها مدرسة في داره، وكانت أمها آمنة بنت صالح ترعى الدارسات وتصبر عليهن وتجلب لهن جرار الماء من البئر على ظهرها رحمها الله، ثم فّتحت لأم عثمان حلقة مستقلة للتعليم في عريش عند بيت أبيها، ودرس لديها عدد من البنات.
وعثمان هو مولودها الأول، بعد سقط، ثم حملت بعد عثمان بمولود آخر وتوفيت بعد وضعه مباشرة، ثم لحق بها مولودها بعد يوم أو يومين، وذلك قرابة عام 1384هـ، وعمر ولدها عثمان قرابة السنة.
وقد كفلته جدّته لأمّه المرأة الصالحة الذاكرة آمنة بنت الشيخ حسن بن يحيى الحملي الذي كان رجلا كريما ثريا، بنى بيتا كبيرا للضيوف، وكان ينزل عنده الأمراء والكبراء، وكانت له مكتبة في داره، فيها أمهات الكتب، وقد حصل أنه تخلف بضعة أيام عن المدرسة السلفية فعاتبه الشيخ حافظ بمقطوعة شعرية مؤثرة، فبكى وحمل الكتب على جمل إلى الشيخ حافظ وأوقفها على طلبة العلم، وكانت ابنته آمنة تجيد قراءة القرآن الكريم في المصحف، ولا تقرأ سواه، وقد ساعدها في كفالة الأخ عثمان أمها الفاضلة ليلى ابنة الفقيه العالم العابد أحمد إدريس، من وجهاء مدينة صامطة.
وجدة الأخ عثمان لأبيه المرأة القانتة صيدة بنت عثمان الحملي، وقد كانت تصنع الطعام للغرباء من طلاب المدرسة السلفية وترسله مع أخيها الشيخ عثمان بن عثمان، رحمهم الله.
والحديث عن مآثر أسلاف هذه القبيلة رجالا ونساء يحتاج إلى وقت آخر، رحمهم الله.
وقد نشأ أخونا عثمان في أحضان هذه الأسرة العريقة، وترعرع في هذه الأجواء الصالحة الطيبة، والبيئة المباركة.
ويسر الله أن تكون مساكننا على بُعد أمتار من بيت الشيخ ناصر خلوفة الذي فيه المدرسة السلفية، وبيت الشيخ عبدالله القرعاوي، وبيت ومكتبة الشيخ حافظ الحكمي، والمقرّ السابق للمعهد العلمي بصامطة، حيث كانت النهضة العلمية في النصف الثاني من القرن الماضي، التي أرّخ لها سيدي الوالد في كتابه النهضة الإصلاحية، رحمة الله على الجميع.
وقد كانت ولادة أخينا عثمان في عام 1383هـ، في مدينة صامطة، وهو سميّ خال والده الشيخ الصالح عثمان بن عثمان الحملي، الذي كان إماما لمسجد الراحة الذي هو مسجد المدرسة السلفية، وكان يحج كل عام، وكانت وفاته وهو عائد من الحج.
التحق الأخ عثمان بالمدرسة الابتدائية بصامطة عام 1391هـ، وقد حدثتني أمي حفظها الله أن جدته ليلى إدريس كانت شديدة الحرص والشفقة عليه، وحينما ألحق عثمان بالمدرسة استدعت مدير المدرسة الشيخ إسماعيل بن حسن مذكور إلى بيتها، وقالت له: إن عثمان في ذمتك، لا يؤذيه أحد، ولا يسيء إليه أحد، واحرص عليه مثل أولادك وزيادة، وقد خرج من ذمتي إلى ذمتك، فوعدها خيرا، وقال لها: إن جميع الطلاب عندي سواسية، قالت له: لا بد أن تراعي عثمان أكثر من غيره.
وقد انطلق الأخ عثمان في دراسته الابتدائية متفوقا، حيث كان ذكيا جادّا، حريصا منضبطا، وما من عام دراسي إلا وهو يحصل على شهادة شكر وتقدير على تفوقه وأدبه وانضباطه.
ثم التحق بالمعهد العلمي في صامطة لإكمال المرحلة المتوسطة والثانوية عام 1398 هـ، وكان مع تفوقه وأدبه مشاركا في الأنشطة في المعهد، وقد كُرّمنا من إدارة المعهد العلمي عدة مرات، وقد كان التحاقه بالدراسة قبلي بسنة واحدة، وكان بيننا ألفة ومحبة وتشاور وتزاور بسبب زمالتنا وجيرتنا والقرابة التي بيننا.
وكان يدرسنا في المعهد العلمي عدد من المشايخ والأساتذة الكبار، أمثال الشيخ محمد بن أحمد الحكمي - الأخ الأكبر للشيخ حافظ الحكمي - والشيخ أحمد بن يحيى النجمي والشيخ حسين بن أحمد النجمي والشيخ علي بن يحيى البهكلي والشيخ زيد بن محمد المدخلي والشيخ علي جحاف العريشي والشيخ علي بن عبدالله الأهدل والدكتور أحمد بن علي المدخلي والشيخ محمد دعيش الشعبي والشيخ أحمد بن محمد مذكور والشيخ محمد بن يحيى عطيف والشيخ هادي بن محمد المدخلي والشيخ هادي بن علي الدغريري والشيخ علي بن ناصر البشيري والشيخ علي بن محمد النجمي والشيخ علي بن محمد أبوراجح والشيخ هادي بن محسن المدخلي والشيخ أحمد نعيم المدخلي والشيخ عبدالله مديش البجوي والشيخ هزاع بن حمود البشيري والشيخ محمد بن أحمد مصلح الشعبي وغيرهم، وكان يدير المعهد الشيخ إسماعيل بن محمد الشعبي ومعه طاقم إداري منهم: سيدي الوالد الشيخ عمر بن أحمد المدخلي والشيخ علي بن حسن الدغريري والشيخ أحمد بن يحيى عطيف ويوسف المدخلي وعلي إسماعيل مذكور وأحمد بن محمد كرشمي ومحمد جبران إبراهيم وأبوشملة بن محمد الحكمي ومقبول أبوشلة الحكمي وعلي أضبع المباركي وعلي دهل ومحمد دهل، وغيرهم، رحم الله من مات منهم وحفظ الباقين.
وكان الشيخ أحمد النجمي والشيخ زيد المدخلي رحمهما الله يعتنيان بنا عناية زائدة، وكانا يرتبان لبعض الطلاب بالمعهد كلمات وعظية في المساجد، وكنت أنا وزميلي الأخ عثمان ممن انتظم في هذا النشاط وشارك فيه بدون انقطاع.
وأذكر أنه في حوالي عام 1401هـ أني والأخ عثمان التقينا بالشيخ أحمد بن يحيى النجمي في المعهد العلمي بصامطة - وكان يحبنا - وعرض علينا زيارته في منزله، فلبينا الدعوة وأتينا إلى منزله بصامطة بعد صلاة العشاء، ومكثنا لديه إلى وقت متأخر من الليل، وكنا نسأله ونستفسره عن بعض الأمور الفقهية والدعوية والعلمية، ولم يضجر منا، وبعد تلك الجلسة لازمت أنا والأخ عثمان الدرس الليلي للشيخ أحمد النجمي في شرح صحيح البخاري في مسجد مزّاقة بصامطة ومكثنا على ذلك عدة سنوات، قلّ أن نتخلف عنه، حتى انتهينا من صحيح البخاري.
وذات ليلة دعانا الأخ عثمان لزيارته في بيته، فحضرت أنا والشيخ أحمد النجمي فقط إلى منزل الأخ عثمان في المساء، وكانت ليلة جميلة مفيدة، قدم لنا فيها الأخ عثمان الفاكهة والحلويات والعصيرات، وقدذكر لنا الشيخ أحمد في تلك الليلة سيرة الأجداد ومآثرهم، وأهدى للأخ عثمان في تلك الليلة كتاب سنن النسائي الطبعة الهندية، وكانت في مجلد واحد كبير، رحم الله الجميع. وقد شرعنا في دروس أخرى لدى الشيخ أحمد النجمي: في صحيح مسلم في عصر كل جمعة في منزل الشيخ أحمد، مع مجموعة من طلبة العلم، وقد رتب لهذا الدرس الشيخ الداعية عواجي بن محمد المهجري رحمه الله، وممن كان يحضر هذا الدرس الشيخ محمد بن زيد المدخلي، والشيخ يحيى بن عبده طالبي، والشيخ جنادي بن حسن المدخلي، والشيخ حسن بن يحيى الدغريري وغيرهم.
وكنا ندرس لدى الشيخ أحمد في درس آخر في سنن الترمذي، ثم قرأنا نيل الأوطار وسبل السلام كاملين على الشيخ أحمد، وغير ذلك من الدروس.
وقد التحق الأخ عثمان بالدراسة الجامعية في فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بأبها في كلية الشريعة وأصول الدين قسم القرآن وعلومه عام 1403 هـ، وانتقل للسكن هناك ورافقته جدّته آمنة بنت حسن الحملي، حيث كان العائل لها، ويعتبرها أمّه، وكان باراً بها أشد البر، وهي تحبه حبّا جما، إذ ليس لها من الأولاد أحد، وليس لها من الأحفاد سواه.
وقد كانت تأنس إليّ وتفتقدني إذا غبت عنها، وتقول لي يا عبدالرحمن أنت أخو عثمان، ودائما تدعولنا.
وخلال هذه الفترة تزوج الأخ عثمان في المدينة المنورة، وكان الذي أجرى العقد الشيخ عطية محمد سالم رئيس محاكم منطقة المدينة المنورة، وزوجته هي أم يحيى ابنة الداعية الكبير والعالم القدير الشيخ سعد الدين أحمد المليباري، وبين الأخ عثمان وزوجة الشيخ سعد الدين صلة قرابة وجوار، رحمهم الله، وكان الشيخ سعد صديقا لأبي رحمهم الله، وكان مدرسا في المعهد العلمي بصامطة، ثم انتقل للجامعة الإسلامية، وكانت له دروس في المسجد النبوي، وله مؤلف قدم له صديقه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمهم الله، وقد توفي بالمدينة عام 1402هـ.
وكان الأخ عثمان في المرحلة الجامعية كعادته في الدراسة متفوقا منضبطا، وكان ينافس دائما على المراكز المتقدمة.
وقد جئت إلى أبها لللالتحاق بالدراسة في فرع الجامعة بأبها، ونزلت عند الأخ عثمان في منزله، وفرحت بي جدّته، وكان ذلك في شهر محرم عام 1404هـ، وكان الأخ عثمان قد شرع في قراءة القرآن على المقرئ فضيلة الشيخ عبيدالله بن عطاء الأفغاني، فذهبت معه فجرا إلى مسجد الشيخ وقرأت عليه سورة الفاتحة وحيّاني ورحب بي، وكان الأخ عثمان يقرأ حينذاك في سورة البقرة، وقد واصل إلى أن ختم القرآن برواية حفص وشعبة عن عاصم، وقالون عن نافع، وأُجيز بذلك.
وقد بدأنا درسا علميا أنا والأخ عثمان فقط لدى فضيلة الشيخ حسن بن زيد النجمي رحمه الله، القاضي حينذاك في محكمة أبها، وكان الدرس في كتاب بلوغ المرام.
وكان للأخ عثمان نصيب من علم اللغة والأدب والشعر، فهو ناقد وقاص، وله كتابات أدبية راقية.
وله مطالعات في كتب التاريخ والسيرة، وكان يرتاد النادي الأدبي بأبها، والنادي الأدبي بجازان.
وقد عزم ذات مرة على السفر بأسرته من أبها إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، فطلبت مني جدّته رحمها الله وبإلحاح شديد أن أرافقهم، فترافقنا، وكانت رحلة ماتعة، وكان قد ولد له ابنته البكر أم شهاب وعمرها يومئذ بضعة أشهر.
وبعد انتهائنا من العمرة قصدنا بعض المكتبات واشترينا بعض الكتب، ومنها مختصر صحيح البخاري للزبيدي، وشرعنا في قراءته ونحن في الحرم.
وكان يدرسنا في المرحلة الجامعية عدد من المشايخ والدكاترة أعضاء هيئة التدريس، منهم : الشيخ إبراهيم سير المباركي والشيخ يحيى بن علي المعافا والشيخ عبدالصبور بن إسماعيل السعدني والدكتور عبدالرحيم بن أحمد الطحان والدكتور مصطفى بن سعيد الخن والدكتور نشأت بن إبراهيم الدريني والدكتور إبراهيم بن يحيى عطيف والدكتور جبريل بن محمد البصيلي والدكتورصالح بن أحمد رضا والدكتور محمد علي عثمان والدكتور أحمد فال الموريتاني والدكتور محمد الرضا الأغبش والدكتور حسين عبدالهادي والدكتور سيد رزق حجر والدكتورالمحمدي عبدالرحمن والشيخ محمد بن إبراهيم خلوفة، وغيرهم ممن لم أتذكرهم الآن، رحم الله الأموات وحفظ الأحياء.
وبعد أن تخرج الأخ عثمان من الجامعة وحصل على شهادة البكالوريوس بتفوق عام 1407 هـ التحق بالتعليم العام، فعين معلما للعلوم الشرعية في متوسطة مدينة صبياء بمنطقة جازان، وباشر العمل يوم الاثنين الموافق 23-11-1407 هـ، وانتقل للسكن في مقرّ عمله، وشارك مع طلبة العلم في الدروس والمحاضرات، وربط علاقات اجتماعية مع عدد من أهل البلد، وكان يخدم أي شخص له حاجة هناك، ثم انتقل معلما في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم بأبي عريش، وبقي قرابة السنتين كان خلالها مثالا للجد والعطاء والنشاط، وأحبه الجميع.
ثم انتقل إلى مدرسة الشيخ ناصر خلوفة لتحفيظ القرآن الكريم بمدينة صامطة عام1412هـ، وقد باشرنا العمل في هذه المدرسة أنا وإياه في يوم واحد، وبقي معلما للقرآن الكريم والعلوم الشرعية إلى أن توفيت جدّته لأمّه آمنة الحملي يوم الأحد الموافق 5-6-1432هـ، وكانت مقام أمه، فطلب التقاعد مبكرا في آخر عام1432 هـ، وقد كان خلال فترة تدريسه حريصا على الطلاب وتعليمهم ومراعاتهم، وكان ذا خلق رفيع معهم، قريبا إليهم، يألفونه ويأنسون به، وكان يتلطف معهم، ويساعدهم كثيرا.
وكان لنا لقاءات ومناقشات علمية، وقد بدأنا في قراءة كتاب إرشاد المسترشد للمقدم في مذهب الإمام أحمد للشيخ عبدالله بن محمد الخليفي وقطعنا فيه شوطا طيبا، وفي كتاب السلسبيل في معرفة الدليل (حاشية على زاد المستقنع) للشيخ صالح بن إبراهيم البليهي، وكلاهما في الفقه الحنبلي.
وكان للأخ عثمان زملاء وخلان جمعتهم قاعات الدراسة الجامعية من طلبة العلم المتميزين، وكانوا ولازالوا متواصلين ومتزاورين منذ أكثر من ربع قرن، وهم : الشيخ شاكر بن محمد النجمي، والشيخ سعد بن ناصر العسيري، والشيخ مطلق بن سعد البراك، والشيخ أحمد بن محمد الشهراني، والشيخ محمد بن عبده عايض، والشيخ إبراهيم بن حسن الحضريتي، والشيخ منتصر بن عيسى العسيري، والشيخ علي بن يحيى القرفي، والشيخ عبدالله بن حسن الفيفي، والشيخ أحمد بن علي الحكمي، والشيخ عوض بن علي مرعي قرين، والدكتور محمد بن يحيى خضي، ومعهم أيضا: الشيخ بمبا مصطفى، من جمهورية ساحل العاج، والشيخ بكري سليمان من ماليزيا.وكان معهم الشيخ عبدالله بن نصير السرحاني، وقد توفي قبل قرابة سنتين، رحمه الله.
وكان من أقرب هؤلاء جميعا الشيخ شاكر النجمي الذي كان زميلا للأخ عثمان من بعد المرحلة الابتدائية إلى نهاية المرحلة الجامعية، وتم تعيينهما في يوم واحد في مدينة صبياء، ولازال حبل الودّ بينهما ممدودا، حتى لحظات الوفاة، فقد كان الشيخ شاكر من أوائل من حضر إلى المستشفى بغلس.
وكان الأخ عثمان عضوا فاعلا في المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بمحافظة صامطة، وكان مشاركا في البرامج الدعوية باستمرار، خاصة في دورة الشيخ عبدالله القرعاوي عليه رحمة الله، فقد كان يلقي فيها الدروس منذ بداياتها قبل عشرين عاما، حتى هذا العام 1435هـ الذي كان له فيها درس في مقدمة تفسير الشيخ ابن السعدي، وكان مقررا لهذا الدرس أن يبدأ من يوم السبت 27 من شهر شوال إلا أن الأجل كان أقرب.
وكان ملازما للشيخ زيد بن محمد المدخلي رحمهم الله يحضر دروسه ويتلقى عنه العلم.
وكان الأخ عثمان يتصف بالحكمة واللين في دعوته ودروسه وخطبه، يقرن المسائل بأدلتها، والخلاف بالترجيح، وقد اهتم بعلم التفسير والتوحيد أكثر من غيرهما.
ومما يعرف عن الأخ عثمان أخلاقه الفاضلة وتعامله الحسن مع الجميع، وبشاشته وابتسامته التي تعلو محياه كل وقت، وكلماته اللطيفة التي يأسرك بها، وترحابه بالزائرين، وإضافته في منزله للضيوف، وقد تجمعت فيه صفات الرجال ومزايا الكمال بما لا يجتمع إلّا لدى القلّة من الناس، وقد كانت له محبة لدى الصغير والكبير، لم يسئ لأحد طوال حياته، مقدما في قبيلته، مشاركا للناس في مناسباتهم، وكان وصولاً لرحمه يزورهم ويتعاهدهم.
وكان ملازما لعمه أحمد، بارّا به، ييستفيد من حكمته وأسلوبه في الإصلاح بين الناس، ويرافقه في المناسبات والمحافل، ويستشيره ويستعين به في أموره.
وكان الأخ عثمان مقدما في قبيلته، عميدا لهم، يفاخرون به ويسمعون لرأيه.
وكان للأخ عثمان مكتبة خاصة في منزله، اعتنى بها منذ أيام دراسته في المعهد العلمي، وكانت نواتها كتب لأبيه وعمّه علي الذي كان يشغل مدير إدارة رئاسة محاكم منطقة جازان، رحمهم الله، وهي تحوي جملة طيبة من كتب التفسير والحديث والتوحيد والفقه والتاريخ والأدب واللغة وغيرها.
وقد اهتم بعد تقاعده بالقراءة والاطلاع، واشتغل بكتاب تفسير ابن جرير الطبري وبدأ في اختصاره، وقد كان يستشيرني في بعض الأمور العلمية، ونتباحث فيها، وكان من آخرها مشاورته لي في روايات عبدالرحمن بن زيد المدني في التفسير، وقد طُبع جزء واحد من مختصره لتفسير ابن جرير قبل أشهر قليلة، بتقديم فضيلة الشيخ زيد المدخلي، وأسماه: (فتح الوهاب في هدي آيات الكتاب)، وقد اشتمل على اختصار جزءي عمّ وتبارك، ويقع في 447 صفحة.
وقد بدأ في شرح منظومة نيل السول في تاريخ الأمم وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي شرح المنظومة الميمية في الوصايا والآداب العلمية، كلاهما للشيخ حافظ الحكمي.
وكان الأخ عثمان يتذوق الشعر وينشده، ويكتب القصة ويجيدها، وكان ناقدا رائعا، لكنه كان مقلّا من ذلك، إذ اهتماماته الشرعية كانت أكثر من اهتماماته الأخرى.
و الشيخ عثمان عُين إماما لمسجد الحمالية بمدينة صامطة منذ شهر ربيع الأول عام 1420هـ، وقد عرض عليه خطابة عدة جوامع ولكنه رفض، وكان يقوم بالخطابة أحيانا تطوعا في عدة مساجد،كلما طلب منه، ومسجد الحمالية هذا كان إمامه جدّه لأمه الشيخ أحمد صغير الحملي، وقام بعمارته بالطين والخشب الشيخ حسن الحملي، وقبيل سنوات أعيد بناؤه على الطراز الحديث على نفقة جدة عثمان آمنة بنت الشيخ حسن الحملي رحمهم الله.
وقد عانى في السنوات الأخيرة من أمراض متعددة، ولم يعلم بذلك عنه إلّا القليل، وكان يستسرني في بعض أموره الصحية، فقد عانى من مرض ضغط الدم ومرض السكر والانزلاق الغضروفي وبعض آلام الركب، وكان لديه اعتلال قليل في القلب، لكن فحوصاته الأخيرة قبل وفاته بشهرين أثبتت سلامته من ذلك، وقد كان يراجع المستشفيات الحكومية والأهلية في المنطقة وخارجها.
وفي يوم الثلاثاء الموافق 23 من شهر شوال أفطر عند الغروب إذ كان يومئذ صائما، ثم أتى مسجد الحمالية وأمّ الناس لصلاة المغرب، ثم عاد إلى البيت وارتاح قليلا، وتهيأ لصلاة العشاء لكنه أحس بآلام في الصدر وضيق في التنفس فنقل إلى مستشفى صامطة العام، وعمل له تنشيط للقلب، ثم وضع تحت التنفس الصناعي، وبات تلك الليلة في حالة صحية غير مستقرة، وبقي إلى بعد أذان فجر يوم الأربعاء 24 حيث فارق الحياة بين الأذان والإقامة رحمه الله وغفر له.
وكانت وفاته فاجعة على طلبة العلم وقرابته ومحبيه، وتأثروا لذلك، وكان تشييعه ودفنه في عصر يوم الخميس الموافق 25 من شهر شوال، ودفن في مقبرة الحمالية بصامطة، وكانت جنازته مشهودة، وله من العمر اثنتان وخمسون سنة، وقد رثاه الشعراء وأشاد به الكتاب والأدباء.
وقد خلف ستة من الأولاد، منهم ذكران هما : يحيى ومعاذ، وأربع بنات، بارك الله فيهم وخلفهم خيرا.
أسأل الله أن يرفع درجته في عليين، ويخلفه في عقبه في الغابرين، ويغفر لنا وله ويرحمه إنه سبحانه أرحم الراحمين.