لا بد أنك استيقظت يوماً وعلامات الملل والضجر بادية على وجهك، وأنت تقرأ رسالة صباحية وصلتك من إحدى الجمعيات الخيرية، كجمعية مرضى غسيل الكلى أو الأطفال المعوقين، محاولة لفت انتباهك بأسلوب لغوي مستهلك وبائس للالتفات لقضيتها وجهودها في دعم المرضى، علّها تستميلك وتكسب تعاطفك وبالتالي تربح جيبك للتبرع لها.
أسلوب استجدائي قديم ومترهل في زمن شديد التطلب والسرعة، ما جعل الدعاية والتسويق صناعة ابتكارية تقدر بالمليارات ويتلقى صانعوها مرتبات ضخمة نظير استقطاب اهتمام العامة لقضية ما أو منتج معين.
وهذا ما حدث -مؤخرا- في تحدٍّ طبقت شهرته الآفاق يدعى «تحدى دلو الثلج» ابتكره شاب أمريكي يدعى كوري جريفين بعد إصابة صديقه بمرض عصبي يدعى التصلب العضلي الجانبي، وهو أحد الأمراض العصبية الخطيرة التي ظلت مغمورة لفترة طويلة.
تدور فكرة التحدي حسب بحثي عن الموضوع في محاكاة ما يشعر به المصابون بالمرض من صدمات كهربائية في المخ تشبه بشعورها إحساس سقوط الماء المثلج على رأس الشخص الطبيعي، فتشعر ولو للحظات عابرة بشعورهم وبالتالي التعاطف معهم، وإن لم تقبل التحدي وتنفذه خلال 24 ساعة فعليك التبرع لمركز الأبحاث الخاص بالمرض.
الحملة آتت بثمارها واستقطبت انتباه الملايين عبر مشاركة نخبة من المشاهير فيها أمثال الرئيس السابق جورج بوش والإعلامية أوبرا وينفري وعدد من أبرع لاعبي كرة القدم، وجمعت حتى الآن ما يقارب المئة مليون دولار، وبزيادة تقدر بـ25% عن تبرعات العام الماضي، كما ارتفعت نسبة البحث عن المرض في محركات قوقل بشكل كبير وملحوظ.
هذا التحدي نال شهرة واسعة وأثار حوله الكثير من الجدل، ووضع كثيراً من الجمعيات الخيرية ومراكز الأبحاث القائمة على التبرعات في موقف محرج، للخروج من قالبها التقليدي الجامد في تسول انتباه الآخرين، للتفكير خارج الصندوق أو ربما التخلص من الصندوق نفسه، والبحث عن وسائل جديدة وغير تقليدية لاستقطاب انتباه الدهماء.
ما أثار اهتمامي أيضاً هو الكم الهائل من المنغصين والمعادين للنجاح الكبير لهذه الحملة، والاهتمام العالمي الذي حظيت به، عبر التذكير بالكوارث الطبيعية والأزمات السياسية والاقتصادية التي يمر بها العالم، بينما ينشغل الناس بهذا التحدي على الرغم من عمق فكرته وسلامة غاياته.. هؤلاء الناس لا تسمع أصواتهم إلا للتنكيد أو تشويه صورة أي نجاح، عبر سرد قائمة عيوبه، والتأكيد بأن الوقت غير مناسب إلا للبكاء والنياح، ولو أنهم أشغلوا أنفسهم في تطوير أفكار تجذب انتباه الآخرين لتلك القضايا التي يتاجرون بها في كل حين لاستفادوا وأفادوا، لكنهم أدمنوا الجدل قبل العمل، واعتادوا على السلبية ورفع شعارات المعارضة والسباحة عكس التيار وإن كان ناجحاً ونظيفاً.
تلك الكائنات السلبية بفكرها السوداوي الذي يقتات على الانتقاص من نجاح الآخر، باتت منتشرة بكثرة في توتير والواتس أب، ولها جمهور ذو شهية مفتوحة للانتقاد والترويج لثقافة التحطيم لا التصفيق لنجاح الآخر، وإن اتفقوا معه في الغاية واختلفوا في الوسيلة.. هذا الأسلوب أثبت مرة بعد مرة بأنه لا يحل قضية، ولا يطعم جائع، ولا يرفع وعي الشعوب، بل يستجر المزيد من السلبية وجلد الذات.. فهل يدركون ذلك؟!!