سعادة الأستاذ خالد بن حمد المالك، رئيس تحرير جريدة الجزيرة - وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استكمالاً لما طرحته في الفترة الماضية حول المكرمة الملكية الكريمة لوزارة التربية والتعليم، والمؤتمر الصحفي لسمو الوزير وبيانه لطموحات الوزارة وأهدافها ونظرتها المستقبلية لاستثمار هذه المكرمة، أطرح النقاط الآتية حيال الطلاب والمعلمين:
لا يختلف اثنان على أن المعلم والطالب يشكّل كل منهما حجر زاوية في العملية التربوية والتعليمية؛ وبالتالي فهما بحاجة إلى توفير مزيد من الظروف والأجواء التي تساعدهما على التفاعل الإيجابي في أقصى صورة؛ ليكون النجاح في أبهى صوره؛ وبالتالي ستكون مخرجات التعليم في قمة التميز. وقد وعد سمو الوزير بموسم دراسي مميز في العام القادم، يشمل الطلاب والمعلمين.
ولعل النقاط الآتية تكون موضحة للهدف معينة على تحقيق ما يصبو إليه سموه:
1- ما زالت الرعاية الصحية للطالب والمعلم دون المأمول؛ لذا حبذا لو تم الرفع من مستوى الوحدات الصحية المدرسية؛ لتكون مستوصفات متكاملة تخدم الطرفين.
2- يبلغ عدد شاغلي الوظائف التعليمية ما يزيد على 500 ألف موظف؛ لذا فإن إنشاء مستشفى مرجعي تخصصي مطلب طبيعي؛ ليكون مسانداً للوحدات الصحية، ويقدم الخدمات العلاجية والطبية للطلاب والمعلمين ومنسوبي وزارة التربية والتعليم وأسرهم فيما لو تطلب الأمر مزيداً من الرعاية والمتابعة؛ ما سيكون له كبير الأثر النفسي والمعنوي عليهم، ويبرهن بما لا يدع مجالاً للشك على مدى اهتمام الوزارة بمنسوبيها.
3- إقرار التأمين الصحي لشاغلي الوظائف التعليمية لفوائده الكبيرة بإذن الله.
4- بطاقة المعلم في الوضع الحالي مجرد تعريف بشخصه، بدون أي خدمات أخرى. فحبذا لو تم تفعيلها بما يخدمه لدى المستشفيات والفنادق والمؤسسات الخدمية الأخرى بما يسهم في إبراز مكانته الاجتماعية التي هي أحد أهداف الوزارة.
5- يشكّل الغذاء للطالب حلقة أساسية في مسيرة نموه الجسدي، وله تأثير لا يمكن تجاهله في نموه العقلي؛ وبالتالي استيعابه العلمي. ولعل الوجبات المتوافرة حالياً في المقاصف المدرسية يغلب عليها عدم الوفاء بالمتطلبات الغذائية الأساسية لصحة الطالب، إن لم يكن لها انعكاسات سلبية. ولعل تحديد قائمة بالأغذية المناسبة وإلزام متعهدي المقاصف المدرسية بها، أو توفير وجبات خاصة بالمدارس، تكون مبنية على آراء متخصصين في التغذية، تكون نقطة انطلاق رئيسية في إعداد الطالب ليومه الدراسي.
6- تشكّل الصفوف الأولية ركيزة التعليم وغرسه الأولي؛ لذا فهي تتطلب عناية ورعاية خاصة. ويلاحظ عدم تحديد سقف أعلى لعدد الطلاب في الصفوف المذكورة. والذي أراه ألا يتجاوز عدد طلاب الصف 15 إلى 20 طالباً كحد أقصى؛ ليتمكن المعلم من العناية بهم، وتحقيق الأهداف والمهارات التربوية والتعليمية المطلوبة.
7- حددت الوزارة سقفاً أدنى لعدد الطلاب، على ضوئه يتحدد مدى استحقاق المدرسة لوجود المرشد الطلابي من عدمه، في خطوة أراها مثيرة للتساؤل والاستغراب والتعجب في آن واحد!؟
فمتى كانت الحالات التعليمية من تأخر وضعف دراسي مرتبطة بالعدد؟ والكلام ينطبق على الحالات السلوكية والظروف الاجتماعية أيضاً؛ فقد يبلغ العدد ما يزيد على السقف المحدد من قبل الوزارة دون أن تظهر الحاجة للمرشد إلا في مناسبات محدودة، والعكس صحيح؛ فقد لا يتجاوز العدد العشرات وتكون الحاجة إليه ضرورية بل ماسة. فالبيئة والظروف هما الفيصل في الأمر.
8- ما ذكرته أعلاه أرى أنه ينطبق بشكل كبير على وكيل المدرسة؛ ففي عدم وجود مرشد طلابي ووكيل للمدرسة تقع الأعباء كاملة على عاتق مدير المدرسة (الإدارية والإرشادية والسلوكية)، وفي حال تأخره أو عدم وجوده لظروف عملية أو صحية فالحاجة ماسة لمن ينوب عنه.
9- تسعى الوزارة جاهدة للرفع من مستوى منسوبي الميدان التربوي، وإكسابهم المهارات المعينة على أدائهم لأدوارهم التعليمية والتربوية بالشكل المطلوب. وقد أُسند هذا الدور لمراكز التدريب التابعة لإدارات التربية والتعليم، وهي خطوة أرى أنها بحاجة لشيء من التطور. فالدورات التدريبية المتخصصة تكاد تنعدم، وإن وُجدت فهي تنحصر في برامج من جهود هذه المراكز، وعلى أيدي زملاء لا ننكر جهودهم وحماسهم، وليست الملاحظات انتقاصاً من جهودهم، ولكن هذه البرامج غير مدرجة لدى وزارة الخدمة المدنية، وهي المرجعية لكل موظف. وما أقصده في كلامي وما أريد الإجابة عنه ما يأتي: أليس للمعلمين الحق في الاطلاع على أساليب تربوية جديدة؟
ومن الممكن تحقيق ذلك على هيئة دورات أو محاضرات وندوات، بالتعاون والتنسيق مع مراكز خدمة المجتمع في الجامعات السعودية وكليات التربية وكليات المعلمين، أو بالتعاون مع المراكز الإدارية والتربوية المتخصصة، أو بتبادل الخبرات بين مراكز التدريب بإدارات التربية والتعليم.
10- عودة الهيبة والمكانة المفقودة للميدان التربوي عموماً، وللمعلمين على وجه الخصوص، هدف تسعى إليه الوزارة، وينتظره المعلمون، ويأملون بأن يتحقق على يد سموه؛ فما زالوا بحاجة إلى الإنصاف والوقوف معهم، والتصدي لما يتعرضون له من أذى، أو الحصول على ما فقدوه من حقوقهم، أو في إبراز جهودهم في الميدان، أو الاستفادة من خبراتهم؛ ما جعل الميدان التربوي طارداً لمنسوبيه بدلاً من أن يكون جاذباً. ولا أدل على ذلك من طلبات التقاعد المبكر اللافتة للانتباه في كل عام، وقد بلغت هذا العام نحو 4000 طلب.
ففي النقطة الأولى هذه أمثلة ونماذج توضح ما ذكرت:
) لا نرى ذلك التفاعل تجاه المعلمين والتصدي لما يتعرضون له من اعتداءات، شملت التقليل من شأنهم، والتهجم بالألفاظ، والافتراء عليهم دون تثبت، بحجة النقد. ولا يظن أن هذا اعتراض على انتقادهم؛ فليس هناك من لا يخطئ، وليس هناك من هو فوق النقد، لكن شتان بين النقد الهادف والتهجم والتقصد والتجني، حتى أصبحوا حمى مستباحاً لكل أحد، فتُضخم أخطاؤهم، وتُنكر جهودهم، وتُوجه إليهم سهام الاتهام عند أي عارض يحل بالمجتمع، وأنهم وراء ذلك والمتسببون فيه، ابتداء من ضعف المستويات الدراسية، والمخرجات التعليمية، مروراً بالسلوكيات الخاطئة لدى بعض الطلاب، وانتهاء بالإرهاب وتداعياته.. وبلغ حد الاعتداء المباشر على ممتلكاتهم من سيارات وخلافه، بل الاعتداء على أشخاصهم في ظل صمت رهيب غير مبرر من قِبل إدارة الإعلام الوزارة؟!
) أن لوائح السلوك والمواظبة تشكّل ميداناً رحباً للطالب لممارسة ما يحلو له دون رادع يوقفه عند حده؛ فأصبح الطالب بناء على مواد اللائحة يمارس ما يمارس، وسيجد فيها ما يسنده ويبرر تصرفه ويحميه.. فأقصى ما قد يناله حسم درجات محدودة من درجات السلوك، تعاد له عبر بطاقة السلوك، أو حرمانه من الدراسة أياماً أو حتى أشهراً، وقد تؤجل العقوبة لفترة قادمة؟! مما يذهب الهدف الذي وُضعت من أجله. وقد تختلف له الأعذار والتبريرات المختلفة؛ ما يجعل تصرفاته في حكم اللامسؤولية!! بينما العكس تماماً في التعامل مع المعلمين، فيما لو بدر منهم شيء من ذلك تجاه الطالب؛ فقد يتم اتخاذ القرار التأديبي بشكل فوري، بنقلهم أو تحويلهم من العمل في التدريس إلى العمل الإداري، مع توجيه كمّ لا يستهان به من التهديد والوعيد واللوم والتقريع..
وأخيراً، مع ما سبق أصدرت الوزارة في أعوام سابقة لائحة حقوق الطالب، وكأن المعلمين لا حقوق لهم؛ ما أضعف من هيبتهم، وأسقط مكانتهم، التي انعكست سلباً على الميدان التربوي برمته، واكتوى منها المجتمع بأكمله.
وفي الثانية.. هذه نماذج من حقوق المعلمين التي يطالبون بها، وينتظرون تحقيقها على يد سموه:
) باستثناء بدل المعيشة، لم يطرأ على رواتب المعلمين في كادرهم أي تغيير؛ فظل المعلم طيلة السنوات الماضية منذ إقرار الكادر الحالي قبل ثلاثين عاماً محروماً من أي زيادات أو إضافات.
) توقف نمو كادر المعلمين أسوة بغيرهم من الموظفين؟!
) ظل عدد من المعلمين سنوات في مستويات أقل مما يستحقونها بناء على مؤهلاتهم، دون تصحيح لأوضاعهم، وبعد أن تم وضعهم في مستوياتهم التي يستحقونها نظاماً لم يُعوَّضوا عن السنوات الماضية، وضاع على بعضهم كثير من سنوات الخدمة.
) يقف المعلم في أقصى حد لسلم التعليم عند الدرجة 25، وهناك معلمون توقفوا لسنوات طويلة في آخر السلم دون الحصول على علاوات؛ ما اضطرهم للتقاعد المبكر؛ فخسرهم الميدان.
) بمبرر غير مقنع، تم حرمان المعلمين من مزايا الأمر الملكي الكريم بمنح من يتقاعد مبكراً رواتب 4 أشهر، ومن يتقاعد نظاماً رواتب 6 أشهر، في قرار لمسؤولي وزارة التربية والتعليم.
وفي الثالثة.. يعجُّ الميدان بالمبدعين من المعلمين، ممن سعوا إلى التميز والإبداع بجهودهم الذاتية، ولم نسمع عنهم إلا من خلال مقاطع ومشاهد نُشرت لهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بينما كان الأصل أن يتم اكتشافهم من قِبل إدارات التربية والتعليم، وأن تكون الإشادة بهم من قِبل أقسام الإعلام التربوي.
وفي الرابعة.. تصدر كثير من الرؤى والأفكار والبرامج التربوية من قِبل الوزارة دون الرجوع إلى الميدان والاستفادة من الخبرات المتوافرة فيه، ثم يبدأ تلقي الملاحظات والتعديل من خلال ما يظهر على التطبيق الميداني؛ ما يعيق أو يؤجل الاستفادة من هذه الرؤى والأفكار بالشكل المطلوب.
كذلك تخفق كثير من القرارات عند تطبيقها في المدارس بمستوياتها المختلفة، ولو أُخذت فيها آراء منسوبي الميدان التربوي من المدرسين والمدرسات مبكراً، وقبل إقرارها، لتم - بإذن الله - تلافي العوائق والسلبيات، وكان ذلك عاملاً لنجاحها.