حذر فضيلة رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالحدود الشمالية الشيخ عواد بن سبتي العنزي شباب الأمة الإسلامية من مغبة الانسياق وراء الدعوات الباطلة التي تلوك بها ألسنت دعاة الهوى والشبهات، والانحراف الفكري والعقدي، ومن يدعون أنهم يخدمون الإسلام ويدافعون عنه، مفنداً بعضاً مما يروجون له من أفكار، وبدع، وضلالات تتنافي مع تعاليم الإسلام وأحكامه.
مفهوم الجهاد
واستهل فضيلته - في حديث له عن ما تشهده بعض دول العالم الإسلام اليوم، وموقف المسلم منها، مورداً بعض الآيات القرآنية حول الجهاد، وطاعة ولاة الأمر، وشارحاً إياها، ومن ذلك قوله تعالى: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا }، وقال:إن هذه الآية وردت في سياق بديع يحكي واقع الناس اليوم في تعاملهم مع الأحداث و في مفهوم الجهاد بين الحق والباطل، وكأن الآيات تصف ما يقع وصفا دقيقاً، وهذه وقفات تأمل مع هذه الآيات فقد سبقها قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا }. أمر بطاعته وطاعة رسوله وأمر بطاعة أولي الأمر وهم: الولاة على الناس، من الأمراء والحكام والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعة لله ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ثم أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى رسوله أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحها أو عمومها؛ فالرد إليهما شرط في الإيمان فلهذا قال: { إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت، كما ذكر في الآية بعدها - ثم أقسم تعالى بنفسه الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم ولا يجدوا في نفوسهم حرجاويسلموا تسليما ثم وصفت الآيات المنافقين الذين يتسترون بالإسلام ويزعمون الجهاد وهم لا يطيعون الله ورسوله فبين الله أن الطاعة لله ولرسوله والقيام بما أمر هي الموجبة لمصاحبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا أي: كل مَنْ أطاع الله ورسوله على حسب حاله وقدر الواجب عليه من ذكر وأنثى صغير وكبير، { فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ }ثم جاء بيان حال المجاهدين وأن مايقع من ظلم وجور لايسيره هوى النفس ودفع الظلم فقط بل حكم الله تعالى هو المتبع في حال الضعف والقوة، ولهذا كان المسلمون بمكة- مأمورين بالصلاة والزكاة ولم يؤمروا بجهاد الأعداء وكان بعض المؤمنين يودون أن لو فرض عليهم القتال في تلك الحال، غير اللائق فيها ذلك، وإنما اللائق فيها القيام بما أمروا به في ذلك الوقت من التوحيد والصلاة والزكاة ونحو ذلك كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} فلما هاجروا إلى المدينة وقوي الإسلام، كُتب عليهم القتال واستمر سياق الآيات في بيان أحكام الجهاد في سبيل الله تعالى والتفريق بين من يقاتل في سبيل الله ومن يقاتل في سبيل الطاغوت واختلاف حال المسلمين في الجهاد بين القوة والضعف، وأن الأمر في الجهاد لولي أمر المسلمين (حرض المؤمنين على القتال) والتأكيد على طاعته وأنه هو المحرض على الجهاد لا غيره فهو الذي يقدر المصلحة الشرعية من الجهاد ثم عاد البيان لأحكام الجهاد برد التحية بأحسن منها والتحذير من الغضب وسوء الظن بالغير وتكفير الناس وفي خلالها أدب الله المؤمنين عن فعلهم هذا غير اللائق. وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك. وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه، ولهذا قال: { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة. فالرد إلى أولي الأمر من العلماء والأمراء وفيه انهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان أم لا فيحجم عنه؟، ثم قال تعالى: { وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أي: في توفيقكم وتأديبكم، وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون، { لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا} لأن الإنسان بطبعه ظالم جاهل، فلا تأمره نفسه إلا بالشر. فإذا لجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك، لطف به ربه ووفقه لكل خير، وعصمه من الشيطان الرجيم. والسير خلف شهوات النفس والجهل، ولما كان الكلام عن الجهاد المشروع بين الله حرمة الدماء والقتل بغير حق والاستهانة بها وأن المؤمن لا يمكن أن يقدم على قتل المؤمن إلا عن طريق الخطأ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا} أي: يمتنع ويستحيل أن يصدر من مؤمن قتل مؤمن، أي: متعمدا، وفي هذا الإخبارُ بشدة تحريمه وأنه مناف للإيمان أشد منافاة، وإنما يصدر ذلك إما من كافر، أو من فاسق قد نقص إيمانه نقصا عظيما، ويخشى عليه ما هو أكبر من ذلك، فإن الإيمان الصحيح يمنع المؤمن من قتل أخيه وهذا يصدقه قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض»، فعلم أن القتل من الكفر العملي وأكبر الكبائر بعد الشرك بالله.، و لما كان قد فعل فعلا شنيعًا وصورته كافية في قبحه وإن لم يقصده أمر تعالى بالكفارة والدية سواء كان مؤمنا ولو من قوم أعداء أو بيننا بينهم ميثاق ثم بين الله حرمة القتل العمد ووعيد القاتل عمدا، وعيدا ترجف له القلوب وتنصدع له الأفئدة، وتنزعج منه أولو العقول. فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد، بل ولا مثله، ألا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم بما فيها من العذاب العظيم، والخزي المهين، وسخط الجبار، وفوات الفوز والفلاح، وحصول الخيبة والخسار.
فعياذًا بالله من كل سبب يبعد عن رحمته. وقد ذكر أنواع القتل في خضم آيات الجهاد حتى لايتجرأ أحد على المؤمنين أو يستعجل الحكم على الناس، ولهذا قال بعدها:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا }.. يأمر تعالى عباده المؤمنين إذا خرجوا جهادًا في سبيله وابتغاء مرضاته أن يتبينوا ويتثبتوا فإن المستعجل للأمور في بدايته لايوافق الصواب كما جرى لهؤلاء الذين عاتبهم الله في الآية، ثم عاد سياق الآيات لبيان وتفصيل أحكام الجهاد في سبيل الله وفضائله وأحكام الهجرة في سبيل الله وصلاة الخوف في سياق بديع يعلم معه المسلم أن الله فصل للعباد مايحتاجون إليه من أحكام دينهم وما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ترك الأمة على المحجة البيضاء طاهرة نقية.
الدماء المعصومة
وأكد الشيخ عواد العنزي أن هذه الآيات التي ذكر فيها أحكام الجهاد في سبيله وحرمة الدماء المعصومة وأن أمر الجهاد موكول لولي أمر المسلمين برا كان أو فاجرا و ماسبق ذلك من أحكام في هذه الآيات يرد على واقع أليم يعيشه أهل البدع والضلال من الخوارج وغيرهم الذي تلاعبوا بالنصوص الشرعية وفق أهوائهم وأخذوا المصطلحات الشرعية ليوظفوها على باطلهم ومخالفتهم للكتاب والسنة فعقدت البيعات غير الشرعية للمجاهيل والأحزاب السياسية، وأصبح الولاء ليس للدين بل للجماعات والأحزاب وكل جماعة تلعن أختها وأصبح شعارها القتل والوحشية وسفك الدماء، كما تفعل اليوم القاعدة وما تفرع عنها من داعش والنصرة وغيرها ممن استباحوا الدماء وفرقوا المسلمين وسلم منهم اليهود والنصارى ولم يسلم منهم أهل الإسلام وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وصفهم يدعون أهل الأوثان ويقتلون أهل الإسلام، ولم يعرف لهؤلاء الخوارج إلا النكاية بأهل الإسلام، وانظروا إليهم في العراق قتلوا الشعب باسم الردة وتركوا قتال الأمريكان وفي سوريا قتلوا الشعب وفرقوا المقاتلين وتناحروا معهم وهم يقاتلون عدوهم يهددون المملكة العربية السعودية، وهكذا أهل البدع فتجدون اتباع داعش والقاعدة لاهم لهم إلا المملكة العربية السعودية، في العراق يتوعدونها وفي اليمن يتربصون بها ولو كانوا على حق لما عادوا هذه الدولة المسلمة الموحدة التي تقيم الشريعة وترعى مصالح المسلمين.
صنيعة الأعداء
وتساءل رئيس جمعية الحدود الشمالية: ماذا استفاد المسلمون من القاعدة وداعش والنصرة والحركات التي تسمي نفسها زورا بالجهادية ؟ وهي جماعات تكفيرية خارجية..كما صرح قادتها بتكفير وتضليل العالم إلا لمن يبايعهم، وهذه الجماعات الله أعلم بمن وراءها فهي موجهة من الأعداء لا تخدم الإسلام، بل هي صنيعة أعداء الإسلام تديرها الاستخبارات العالمية لزرع الفوضى الخلاقة في المنطقة فانظروا عداءهم لبلاد التوحيد والسنة وتقديم أنفسهم قرابين للفتنة يغيرون على الحدود السعودية ويسعون في إخافة المؤمنين في جريمة نكراء ملطخة بالغدر والخيانة فيقتلون في نهار رمضان جنودا مرابطين مسلمين مؤمنين صائمين يحرسون أمن الناس فيغدرون بهم ويقتلونهم ثم يفجرون أنفسهم!! أي ضلال أعظم من هذا الضلال في استباحة الدماء والأعراض والأموال وأي جرم ارتكبوه يحزن له المؤمن ويسر به أعداء الدين ولا عجب؛ فهذا صنيع الخوارج قديما وحديثا فهم قوم سوء ولا تغتر بكلامهم، ولا بما يظهرون من التمسك بالسنة في اللباس واللحية فقد كان أسلافهم أشد تعبدا وتنسكا وقد قتلوا الصحابة واستباحوا دماء المؤمنين. وكفّروا الناس وحكموا عليهم بالردة، وفي الحديث من قال لأخيه ياكافر فقد باء بها أحدهما.
وخلص الشيخ عواد العنزي إلى القول: إن ظهور أمر هذه الجماعات التكفيرية وانتشارها في البلاد المحيطة بنا مخطط لأعداء الإسلام ينفذه هؤلاء الخوارج، وهذا يوجب على أهل الإيمان الرجوع إلى دينهم وفهمه بفهم سلف هذه الأمة، والحذر من الغلو الذي نشاهد نتائجه في ضلال هذه الجماعات، ومخالفتها لله ولرسوله ثم يوجب مزيدا من الحفاظ على الأصول الشرعية في لزوم الجماعة، والحرص عليها والتكاتف مع ولاة الأمر وطاعتهم في طاعة الله تعالى والحفاظ على أمن هذه البلاد المباركة، وأن نكون يدا واحدة ضد الغلو والإرهاب، وهذه الفرق التي تفت في عضد الإسلام وأهله، ولن يضرنا صنيعهم ما تمسكنا بكتاب الله وسنة رسوله ولزمنا جماعة المسلمين فهذه الدولة منصورة مسددة بإذن الله لما قامت به من نصرة للدين وحماية لجناب التوحيد والسنة وعمل خيري يشهد به الأعداء قبل غيرهم ولن يضيرها هذا الحراك المشؤوم وسيكون - بإذن الله - سببا في مزيد من اللحمة الصادقة بين الراعي والرعية والعمل لخدمة دين الله تعالى ومحاربة الغلو والتطرف.