لا أريد أن أبدو محبطاً، ولا متشائماً، لكن الأمر يجبرنا أن نفتح أفواهنا دهشة وهلعاً، وخاصة أن هذه نصف المليار متر مربع في مدينة واحدة، هي الرياض، والتي قامت وزارة العدل مشكورة بإلغاء صكوكها، بعدما شكلت لجاناً في عدد من كتابات العدل بمناطق المملكة، هدفها فحص صكوك معينة، للتأكد من نظاميتها!
يقول الخبر المنشور في عدد من الصحف، بأن هذه الصكوك كانت مسجَّلة بأسماء ملاَّك هم من التجار والعقاريين وكتّاب العدل، ولعل هؤلاء الكتّاب، الذين لم يقدروا ما خصَّهم الله به من علم ودين ومسؤولية، ولم يحفظوا الأمانة، التي منحهم إياها ولي الأمر، وعبثوا بأموال الدولة، هم من يستحق العقاب مضاعفاً، لأنهم يدركون خطورة الأمر، وعظم العقوبة من الله سبحانه وتعالى، ولولا ضعفهم أمام الثراء السريع، وضعف ذممهم، لما استطاع هؤلاء التجار، ولا العقاريون، حيازة ما ليس لهم من عقارات!
منذ نشر هذا الخبر، وأنا أفكر بهذه الملايين من الأمتار المربعة، لو توزعت بين المواطنين المستحقين، هؤلاء الذين التهمت إيجارات المنازل رواتبهم الشهرية المتواضعة، كم أسرة ستحظى بأرض مناسبة، كي تبني عليها بيت العمر؟ فلو افترضنا أن المنزل المناسب لهذه الأسر في حدود خمسمائة متر مربع، فإن نصف المليار متر مربع، سيوفر مليون قطعة أرض سكنية، أي أن مليون أسرة ستمتلك أرضاً للبيت المستقبلي، وستصبح أزمة الأراضي وارتفاعها كذبة كبيرة!
قد يقول قائل إن هذه الأراضي هي بعيدة جداً، وليست مناسبة للسكن، لكن تقديرات وزارة العدل، وحسب معدل أسعار الأراضي في الرياض، قدّرت قيمة نصف المليار متر مربع، بنحو أربعمائة مليار ريال، أي أن سعر المتر المربع التقديري لهذه الصكوك غير النظامية، يبلغ نحو ثمانمائة ريال، وهو سعر جيد لأرض معقولة، أو على الأقل في طور النمو لكي تصبح أرضاً مناسبة للبناء!
علينا جميعاً، وفي غمرة تباكينا على هذه الفوضى التي سببها التجار والعقاريون وكتّاب العدل، الذين لم يحفظوا الأمانة، أن نشكر وزارة العدل كثيراً، على ما قامت به من إلغاء هذه الصكوك، ومحاولة ترتيب البيت العقاري من جديد، ولعل هذه الخطوة من أقوى الخطوات، وأكثرها جدوى، في مكافحة الفساد، ولو قامت كثير من الوزارات لدينا، بخطوات مماثلة، لاستطعنا تقليم مخالب الفساد التي تنهش في وطننا، وربما لاستطعنا أن نتجاوز الكثير من المشكلات التي تحاصرنا، وتحبط كثيراً من المواطنين، خاصة في ملفات الإسكان، والصحة، والتعليم.
كم نتمنى أن تتحرك هيئة مكافحة الفساد، وتقوم بشراكة حقيقية مع هذه الوزارات، وغيرها، لمساعدتها في كشف الفساد المالي والإداري، الذي يقلّل من كفاءة الاستفادة مما تحظى به بلادنا من ثروات كبيرة.