هناك معلومات جديدة ظهرت في عصرنا وشاعت بين الناس، مثل: كم توجد من حرب عالمية؟ ما هي أكثر دولة سكاناً؟ ما هي فصائل الدم؟ لكن هناك معلومات قديمة جداً ما زالت منتشرة اليوم، منها: كم عدد الحواس؟ وعندما أقول: إن هذه المعلومة قديمة فإني أقصد أنها فعلاً قديمة، فأول من أتى بها هو الفيلسوف الشهير أرسطو في كتابه «عن السموات» الذي كتبه في القرن الرابع قبل الميلاد، وفيه قال: إن الإنسان له خمس حواس، وهي: البصر والذي يستمده الإنسان من النار، والسمع الآتي من الأثير –الطبقات العليا من الهواء-، الشم الآتي من الطبقات الدنيا، التذوق الآتي من الماء، واللمس الآتي من الأرض.
رغم قِدَم هذه المعلومة إلا أنها استمرت استمراراً مدهشاً على مر العصور، وما زالت إلى اليوم تُتَناقل على أنها حقيقة، لكنها ليست كاملة، فقد صححها العلم الحديث وذلك بأن أضاف لها حواسًا أخرى نملكها، فلدينا أيضاً حاسة التوازن، والإحساس بالحرارة، والإحساس بمكان الأطراف (مثلاً لو أنك أغمضت عينيك ومديت يدك لجانبك ورفعتها فإنك تشعر أن موقعها مرتفع)، وهناك كذلك أحد أشهر الحواس وهو الألم، وهو غير اللمس طبعاً.
ولا تنتهي المعلومات القاصرة هنا، فمن ناحية التذوق فكلنا يعرف المذاقات الرئيسة: حلو، مالح، حامض، مر. لكن الذي لم يمر على أغلب الناس هو أن هناك مذاقاً خامساً: «أومامي». هذه هي الكلمة الإنجليزية وهي مستوحاة من اليابانية، ولعل النظير العربي هي مزيج بين
«سائغ» و»متبل»، وهي النكهة التي تجدها في الأطعمة المشبعة بالحمض الغلوتامي مثل الجبن والطماطم وصلصلة الصويا.
وبما أننا نتكلم عن التذوق فاعلم أن لكل واحد من المذاقات براعم تذوق قليلة ولكن المذاق المر قد خصص له الخالق أكبر عدد من البراعم، أكثر من 25 برعماً، وهذا يعيننا في تمييز السموم، لأن غالبية النباتات السامة مرة الطعم، وعشاق البراري والتخييم لا شك أنهم يعرفون ثمر الشري أو الحنظل شديد المرارة حتى صار يُضرب به المثل، والإكثار من أكله يسبب آلاماً عنيفة والتهابات في جوف الآكل المسكين. وهنا يجدر أن نذكر معلومة أخرى شديدة الانتشار رغم خطئها، فقد رأينا رسمات للسان تبين مواقع براعم التذوق تلك، وفي هذه الخريطة اللسانية التي تُدرَّس في كل المدارس ترى أن طرف اللسان فيه براعم التذوق الخاصة بالمذاق الحلو، ثم بعده المكان المتخصص في المالح، ثم الحامض، وأخيراً في أصل اللسان المنطقة المرة، لكن هذه عَلِمنا الآن أنها خاطئة، ويفيدنا العلم أن كل اللسان يتذوق كل المذاقات، ولا يتخصص في جزء معين بمذاق معين.
لكن ما زلنا نرى المعلومات القديمة هي المنتشرة، واجعل هذا درساً لك، فانتشار المعلومة لا يعني بالضرورة أنها صحيحة.