من يشاهد الملكة إليزابيث كثيراً على التلفاز فقد يلاحظ أنها في بعض الأحيان لها وقفة معينة؛ إذ تضع اليدين خلف الظهر وهي واقفة أو ماشية، وهذه ليست حركة عشوائية أو شيئاً لا تشعر به، بل هي تعبيرٌ جسدي عن معنى معين. وقد ارتبطت هذه الوقفة بذوي النفوذ حتى أنها سُمّيت في الغرب «الوقفة المَلَكية».
ما هي «الوقفة الملكية»؟ إنه اسم أُعطي لهيئة جسدية معينة، وهي عندما يضع الشخص يديه خلف ظهره وهو يمشي أو واقف، وهذه قد تُرى في الأطباء أو ذوي النفوذ مثل ملكة بريطانيا وزوجها الأمير فيليب، وهذه علامة واضحة مقصودها «لا تقترب مني، لا تلمسني»؛ فاليدان من أبرز وسائل لغة الجسد، والناس يفعلون بها أشياء لا إرادية، تُعبّر عن الترحيب أو القلق أو السعادة، والكثير غير هذا، وسحْبُ اليدين من مجال التواصل هكذا واضح المغزى، ويفهمه ليس البشر فقط بل الحيوانات كذلك. فالكلاب مثلاً تفهم من الذراع الممدودة أنها علامة للود والترحيب، ومن يمد ذراعيه للأمام تجاه كلبٍ أليف ثم يرجعهما ويخفيهما وراء ظهره فسيرى ردة فعل سلبية من الكلب.
هذه من المعلومات الشيقة التي أتت في كتاب «ما تقوله الأجساد»، الذي تناولنا بعض معلوماته في مواضيع سابقة. هذا الكتاب كتبه جو نافارو، الذي عمل سابقاً في الشرطة الفيدرالية الأمريكية. وتخصص نافارو في قراءة وتفسير لغة الجسد، وبدأ ذلك من صغره حتى برع فيه، وصار مجال عمله. وفي أحد تلك المواضيع تكلمنا عن شيء ذكره المؤلف يسمى «المهدئات»، وهي حركات يفعلها الإنسان لا شعورياً؛ ليهدئ نفسه في المواقف التي تسودها المشاعر السلبية، مثل القلق أو الخوف أو التوتر، وما إلى ذلك. ومن المهدئات مثلاً لمس الوجه؛ فهو نوع من التهدئة، فمن يشعر ببعض الضغط يمكن أن ترتفع يده لتلمس جبينه، وقد يلمس أو يلعق شفتيه، أو يدلك ويمسك بشحمة أذنه.. كل هذه وسائل لتنشيط الأعصاب التي يمتلئ بها الوجه. ومن هذا ما نراه من الناس المضغوطين أو الذين خرجوا من مواقف مقلقة عندما ينفخون أفواههم، ويمتلئ الخد بالهواء ثم يزفرون ببطء؛ فهذا النفخ للخدين أيضاً يحقق ذاك الهدف. التثاؤب الزائد أيضاً من علامات التهدئة؛ فهو يضغط على الغدد اللعابية، ويجعلها تفرز المزيد من اللعاب، خاصة أن الضغط والقلق يجفف الفم.
لغة الجسد مجال شيق. أرى أن هذه الوسائل نِعَم من الله؛ إذ بَرْمَجنا أن نفعلها لا شعورياً لتقليل المشاعر السلبية. والحمد لله ليس فقط للغتنا العربية (أفصح اللغات وأعظمها) بل حتى للغة الجسد!