لم تحظ مؤسسة حكومية في السعودية بمستوى عالٍ من الجدل، مثلما حظيت به هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء في الداخل أو الخارج، منذ أن كان اسمهم «النواب» وإمكاناتهم بسيطة، ووسائلهم بالإضافة إلى تحركاتهم الجغرافية محدودة جداً.
ازدادت الوسائل تعقيداً، والمشكلات حجماً، والإمكانات اتساعاً؛ وبقي الحال كما هو. فما أساس المعضلة التي واكبت دورها خلافاً لأدوار مؤسسات أخرى؟.. بعضها لا يثار بشأنها أي مناقشات حادة ومشاكسات، وكتابات ومطالبات، وبعضها الآخر يثار ضدها بعض الكلام عندما تستفحل قضية تدخل في إطار مسؤولياتها، كالمرور في حالات كثرة الحوادث، أو وزارة الصحة في حالات عجز بعض مرافقها عن تلبية متطلبات الجمهور.
في ظني أن جوهر مشكلات هذه المؤسسة الحكومية، أنها غير مختصة بحقل عملي واضح، ولا تتداخل معها فيه مؤسسات حكومية أخرى؛ فهي معنية بأمور تدخل في صميم أعمال وزارة الداخلية (وعلى وجه الخصوص الأمن العام وإدارة مكافحة المخدرات) ووزارة العدل، ووزارة الشئون الإسلامية ووزارة الإعلام، ووزارة العمل، ووزارة التجارة، بالإضافة إلى إمارات المناطق جميعها، والمهمات المنوطة بمحافظي كل المحافظات ورؤساء المراكز في أنحاء البلاد. وتداخل مثل هذا لابد أن ينشئ مشكلات تتعلق بالمنافسة، وإثبات الفاعلية في أداء المسؤوليات، مما يجعل عمل مؤسسة كهذه من أصعب الأمور تقنيناً وتنفيذاً وسلاسة في تحديد المسؤوليات، وفي متابعة التطوير وتحسين ظروف العمل.
وفي الآونة الأخيرة برز اتجاه جديد في تحديد نشاط مختلف لها؛ كان التعبير عنه على لسان معالي الرئيس العام، الذي قال بالحرف الواحد: إن اللوث الفكري حوّل عدداً من شباب الوطن إلى وحوش يتقربون لله بقتل رجال الأمن ويجعلونه من أعظم القربات، ويختارون له شرف الزمان لتنفيذ مخططاتهم؛ مبيناً أن دعاة الفتنة والضلال يبنون مجدهم وثرواتهم على حساب السذّج من أبناء هذا الوطن؛ فدعاة الفتنة ينفذون مخططات الأعداء مقابل عرض الدنيا، ويفتون من قصر فهمهم بفتاوى مضللة تخرجهم من الملة، ومصيرهم إلى جهنم. وقال: لم تعد قضيتنا تقتصر على ملاحقة المحال التجارية التي تعمل أثناء الصلاة، أو محاولة تعديل سلوك من لم تتقيد بلباسها المحتشم؛ بل إن قضيتنا الجديدة أكبر وأهم من ذلك، وهي محاربة الأفكار المتطرفة، ومن نفذ جريمة شرورة ضد رجال الأمن الذين يقومون بواجبهم لحماية الثغور هم مجموعة من البسطاء المتهورين والمندفعين الذين نفذوا فتاوى «عملاء يتقاضون أجوراً على تلك الفتاوى المضللة من أعداء الأمة».
كلام كبير يا معالي الرئيس! وفيه جانبان مهمان: الأول أنه بهذا الكلام، إذا كان يقصد منه التصريح بوصفه مسؤولاً، قد أضاف إلى مهمات هذه الهيئة الملتبسة مهمة أخرى جديدة، هي محاربة الأفكار الضالة، التي تؤدي إلى الإخلال بالوطنية، ومحاربة الفتاوى التي يقصد أصحابها من الداخل أو الخارج إلى زعزعة الأمن الوطني. فهل لديها الوسائل للقيام بذلك أولاً؟.. وهل إسناد هذه المهمة إليها يقع بيد الرئيس أم لا بد من صدوره من جهات عليا ثانياً؟ وهل لها قبل بالتداخل الإضافي مع مؤسسات أخرى جديدة مثل: وزارة الدفاع، والجهات المعنية بالأمن الفكري في كثير من المؤسسات ثالثاً؟ والجانب الثاني أن معاليه قد وصف المجرمين القتلة بأنهم «بسطاء متهورين ومندفعين» مقابل أن يعظم من دور أصحاب الفتاوى الذين جروهم إليها. فهل يجوز ذلك؟.
أما الحل المثالي لهم في ظني، فهو أن يلجأوا إلى دورهم الأول وهو النصيحة، وخاصة مناصحة من ينصحون الإرهابيين، فقد ثبت أنهم أكثر تورطاً من أصحاب الفتاوى، الذين صب معالي الرئيس جام غضبه عليهم!.