ابتلينا في بلداننا الإسلامية – والعربية منها على وجه الخصوص – بأنماط تحاول ترسيخ نموذج المسلم الذي لا تحركه إلا حالات الطمع في الحسنات أو الخوف من العقاب؛ وليس أن مبادئ الإسلام تصنع شخصاً محباً لغيره، ويعمل كل الخير بدافع ذاتي.
أي حياة تلك التي تعيش فيها مرتهناً لطريقة عيش غيرك، وتعود في كل صغيرة وكبيرة فيها إلى مقارنة سلوكك بسلوك آخرين مختلفين عنك في ظروف العيش مكاناً وزماناً؟ هذا ما تعيشه أو تدعي الرغبة في عيشه بعض المجتمعات الموغلة في تقديس الماضي، والباحثة عن شيء من التعويض عن رداءة الحاضر.
نشر أحدهم صورة لطائر ميت، دون أن تتضح أسباب موته، لكنه وضح السبب -والعهدة على الراوي- أنه قد ابتلع علكاً مرمياً على الأرض، فنشب في حلقه، ولم يستطع التخلص منه ولا ابتلاعه، فأقفل مجرى التنفس لديه ومات. وعلل إقدام الطائر على ابتلاع العلك، أنه لا يميز بينه وبين الخبز، إلا بعد أن يكون قد أصبح في فمه. إلى هنا والقصة رغم غرابتها معقولة.
لكنه بدلاً من أن يحذر من هذا العمل المشين من أناس قليلي الوعي، ويدعو إلى اتباع أساليب النظافة، وعدم إيذاء الناس أو الكائنات الأخرى أو البيئة؛ يلجأ إلى رصيد الآخرة، وأن الحيوانات فيها أجر، مستخدماً الحديث النبوي: «في كل كبد رطبة أجر» (مع أنه ليس في سياق الأجر والإحسان إلى الحيوانات). وهذا مؤشر إلى أن هؤلاء البشر لا تحركهم إلا حساباتهم في الآخرة، والمصالح التي يجنونها من كل عمل يتوخون فيه الأجر، والابتعاد عن كل عمل ينقص من ذلك الأجر. أين موقع الإنسانية والأخلاق الحميدة من سلوك هذا المجتمع، الذي ما فتئ يردد بأن المسلم – وفي حالات كثيرة العربي قبل ذلك – هو أكثر الناس تعاملاً إنسانياً، وأعلى الناس أخلاقاً، إذا كان لا تشده إلى تلك الأعمال إلا بقدر ما يوعد به من مقابل لها؟
كثير منا يعرف قصصاً تدور في هذا الفلك، حتى وإن كان ظاهرها عمل الخير، مثل بناء المساجد التي أحياناً تبنى متجاورة، ولا يهم المتبرع بها إلا أنه سيبنى له بيت في الجنة (أي استثمار عقاري بحت). ولو قلت لأحدهم يا أخي المساجد كثيرة، ووزارة الشؤون الإسلامية أيضاً تبني، لكن هناك حاجة إلى مستوصفات في مناطق بعيدة، ولم تصلها الخدمات الصحية؛ وربما تكون نفست عن مريض أعيته المراجعات أو بعد أقرب المستشفيات إليه، أو كبار سن يحتاجون إلى الرعاية الصحية. أو بنيت ملجأ لأيتام، أو دار إيواء لمن تقطعت بهم السبل من المطلقات أو الأرامل، الذي يشكون أحياناً من كون أصحاب البيوت سيطردونهم منها لعدم دفعهم الإيجار، لقال لك: هناك جهات معنية بذلك؛ طيب: أليست هناك جهة معنية ببناء المساجد. المشكلة في ظني أنه لا توجد أحاديث تحث على ذلك، لعدم وجود تلك المؤسسات في صدر الإسلام. بل إن بعضهم يصر على أن يكون تبرعه ببناء المسجد مقصوراً على بناء الخرسانة والأجزاء الدائمة، وليس فرش المسجد وتكييفه، لاعتقاده بأنها ربما تتغير مع الصيانة، فيزول عنه الأجر!
وقد تداعت مع هذه الأفكار ما كانت تناقلته بعض وكالات الأخبار عن الطالب السعودي المبتعث إلى اليابان، الذي اتجه إلى أحد المعابد، أو رأي بعض التماثيل الدينية لدى اليابانيين؛ فأخذ يحطم ما عده من الأصنام ابتغاء للأجر والمثوبة عند الله. ولا أظننا سنعدم محفزات لأصحاب هذا السلوك في كثير من مناهج الدراسة، التي تثني على من يقوم بذلك، وتعده من أصحاب الدرجات العلى.