29-08-2014

ابن تومرت جديد

أعجب كل العجب من أولئك الذاهبين إلى القتال في العراق وفي سوريا وغيرها من البلاد، فهل هناك دين إسلامي خاص بهم، وهل هناك من جهاد يصبون إليه. العالم يتسابق في البناء والتشييد، و أولئك يتسابقون في الهدم والدمار والقتل والسبي، وغيرها من صنوف المخازي التي لم ينزل الله بها من سلطان. لو كان أحدهم موظفاً في دائرة حكومية أو شركة لربما وجدته كسولاً مهملاً غير جاد، لم يجاهد كما يزعم في البناء، ولم يقم بالواجب الموكل إليه، وينسى أنّ الإهمال وعدم الانضباط مخالف للشرع، لكنه يسارع للانضمام للمجاميع التي تهدم ولا تبني، وتقتل ولا تروي ظامئاً، ولا تشبع جائعاً، يستمتعون بالقتل حتى لمن ماثلهم في الدين أو حتى المذهب والتيار، فإذا خالفهم في أمر حسبوه خارجاً عن الجماعة منافراً لها، فحلّ في زعمهم قتله، وجاز التمثيل به، وطاب هدر دمه.

الغريب أن عددهم كثير، ومشاربهم مختلفة، وخلفيتهم الثقافية متباينة، وأعراقهم متباعدة، ومع هذه فهم يجتمعون على الضلال، ولكن في أحايين كثيرة، تضلل كل مجموعة مجموعة أخرى مع اتفاقهم في الغاية والوسيلة، لكن المطامح الشخصية تخرج للعلن، وتظهر على السطح، فتصبح الغاية لإشباع الذات، وليس تحقيق مأرب نبيل، وغاية جليلة، كما يزعمون.

وفي أغلب الأحوال ينسج حول قيادتهم الكثير من الخرافات، وما يسمونها بالمعجزات، حتى ينساق ذوو العقول المستسلمة خلف هذا القائد الذي ليس له هم إلا نفسه، ونسج الخيال حول البارزين والقادة عادة مألوفة وإن اختلف الأشخاص والغايات، وكتب التاريخ مليئة بذلك، سواء قبل الإسلام أو بعده، وقد يكون للمؤرخين دور في ذلك النسيج الخيالي، أو ربما تكثر الأساطير حول المعني من مريديه، فيتلقفها المؤرخون بعد حين ويكتبونها في كتبهم، وتصبح وكأنها حقيقة لا مراء فيها.

دولة الموحدين في الأندلس، دولة جيدة المقصد، أضافت للتاريخ المغربي والأندلسي الكثير من الإيجابيات، وإن تخللها بعض السلبيات كما هي الحال في كل زمان ومكان، لكن ما يجدر الإشارة إليه هنا، هو ذلك الحديث حول صاحب فكرتها وهو محمد بن تومرت الملقب بالمهدي وهو من أبناء الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعاً، وقد وُلد في سوسة جنوب غرب المغرب، وكان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، رحل إلى المشرق وعمره ستة عشر عاماً، ويقال إنه قابل أبا حامد الغزالي بعد إحراق كتبه من قِبل علي بن تاشفين أمير المرابطين آنذاك، فسمع أبا حامد الغزالي يقول «ليذهبن عن قليل ملكه وليقتلن ولده، وما أحسب المتولى لذلك إلاّ حاضراً مجلسنا» وكان ابن تومرت جالساً فقوي طمعه.

والحقيقة أنّ هذه القصة التي أوردها المراكشي في كتابه «المعجب» تعتبر من الأحاجي والخرافات التي يحاول البعض ربطها بالمشاهير، لا سيما الفقهاء والصالحين والزهاد، والزعماء، فعلم الغيب عند الله وحده جل جلاله.

قام ابن تومرت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة والإسكندرية، ووجد من ذلك عناء شديداً، فسافر بالبحر قاصداً المغرب، ويقول ابن خلكان « إنه لما وصل المهدية، نزل في مسجد مغلق، وجلس منه في طاق مشرف على الطريق العام لينظر إلى المارة، فلا يرى منكراً من آلة الملاهي أو أواني الخمر إلا نزل إليها وكسرها، فسمع الناس به في البلد فجاؤوا إليه.

والتقى ابن تومرت مع رجل يقال له عبد المؤمن يعلّم الصبيان، فسأله ابن تومرت مساعدته للقيام بدعوته.

ويقال إن عبد المؤمن رأى في المنام كأنه يأكل مع أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، وأن أكله زاد عن أكل أمير المسلمين، ثم اختطف الصحفة من بيد يديْ أمير المسلمين علي ابن تاشفين وانفرد بها، ولقد قص رؤياه على رجل كان يقرأ عليه فقال له :»يا عبد المؤمن، هذه الرؤيا لا ينبغي أن تكون لك، وإنما هي لرجل ثائر يثور على أمير المسلمين، يشاركه في بعض بلاده، ثم يغلبه بعد ذلك عليها وينفرد بملكيتها، مستبعداً لأن يكون عبد المؤمن هو ذلك الثائر».

وكان ما رأى حقيقة للعيان، بعد مدة من الزمان، والله أعلم، وربما تكون هذه أيضاً من القصص التي طرزت بها حياة ابن تومرت وعبد المؤمن.

لن أطيل في القصص حول المهدي ابن تومرت وابن عبد المؤمن، فالأحاديث حولهم كثيرة، وهذا النسج من الخيال يدفع ضعفاء العقول للانسياق حول أصحاب الغايات، ولعل واقعنا ليس ببعيد عن ذلك الواقع، مع اختلاف الوسائل والأساليب والطرائق المتبعة.

مقالات أخرى للكاتب