أشرنا في المقال السابق إلى أننا بحاجة إلى توفير ما معدله (414,000) وحدة سكنية سنوياً على الأقل.. وأنه يتوقع أن تستمر الحاجة لتوفير وحدات سكنية جديدة على الأقل بالمعدل المشار إليه أعلاه، خلال العشر سنوات القادمة.. فهل يعني ذلك توقعاً بارتفاع أسعار العقارات السكنية.
في الواقع أن ارتفاع الأسعار يمثّل قضية أخرى تختلف عن حجم الاحتياج.. فكما ذكرنا في المقال السابق فإن حجم الاحتياج يختلف عن حجم الطلب.. وبالتالي فإن الحجم المرتفع للاحتياج لن يقود بالضرورة إلى ارتفاع كبير في الأسعار.. ومن المتوقع أن لا يرتفع حجم الطلب بشكل كبير والذي يؤدي ارتفاعه عادة إلى ارتفاع الأسعار.
أما ارتفاع حجم الاحتياج (414,000 وحدة سكنية سنوياً) فقد لا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وذلك لعدة أسباب منها:
1 - إنه سيتم تغطية معظمه من قبل الحكومة نفسها، وبالتالي فإنه لن يدخل في حجم الطلب التجاري.
2 - توفر مساحات شاسعة من الأراضي البيضاء داخل النطاقات العمرانية للمدن.. ففي الرياض وحدها تقدر المساحات البيضاء داخل النطاق العمراني بأكثر من 60% من مساحات الأراضي الصالحة للسكن.. وهو ما سيضيف زيادة في المعروض إذا ما تم تطويره.
3 - توفر نسبة كبيرة من الوحدات السكنية الجاهزة والمعروضة للبيع.
4 - على الرغم من وجود تحول اجتماعي تجاه السكن المستقل، فإن هناك تحولاً إيجابياً نحو السكن في وحدات صغيرة المساحة.
5 - توزيع برامج ومشاريع التنمية كالجامعات وغيرها على المناطق المختلفة سيساهم في الحد من الهجرة للمناطق الحضرية الرئيسة الثلاث والاكتظاظ السكاني فيها، والذي تسبب في السابق بارتفاع نسبة نمو الطلب على السكن فيها بشكل ملفت.
6 - التطور الحاصل في نظام استعمالات الأراضي من قبل البلديات والسماح بارتفاعات أعلى في عدد من الأحياء يمثّل أيضاً عنصراً جديداً في زيادة المعروض وتوفر الوحدات السكنية.
7 - محدودية القدرة الشرائية للمواطنين (من أصحاب الحاجة الذين لا يملكون سكناً خاصاً) في ضوء الأسعار الحالية للعقارات السكنية.
8 - المشاريع الجديدة في وسائل المواصلات والنقل البشري داخل المدن الرئيسة، مما يشجع على السكن في الضواحي والأحياء النائية عنها.
وباختصار فإن من المتوقع أن تفضي هذه العوامل وغيرها مما لم يتسع المجال لذكره بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الحد من جموح الأسعار.
بقي نقطة مهمة هنا، وهي أنه على الرغم من أن قطاع العقار لا يتَضمَّن وكالات حصرية أو احتكاراً لسلعة معينة فإنّه يبدو أن معظم الأراضي الكبيرة المجمدة داخل المدن مملوكة لعدد من الملاّك الكبار، وهو ما يُعرف بلغة أهل الاقتصاد بـ(احتكار القلة).. وهو من وجهة نظري سبب رئيس لارتفاع أسعار العقارات، خصوصاً داخل المدن الرئيسة.
لذا لا بد من وضع أنظمة وقوانين حكومية للحد من هذه الظاهرة، والعمل على تحريك الأراضي البيضاء المجمدة، والدفع بملاّك الأراضي البيضاء الكبيرة داخل النطاق العمراني لتطويرها أو بيعها.
ليس هذا فحسب، بل إن المطلوب هو إعادة هيكلة سوق العقار بشكل كامل.. بما في ذلك:
1 - العرض والطلب.
2 - إجراءات اعتماد المخططات.
4 - إيصال الخدمات العامة إلى المخططات الجديدة.
5 - استعمالات الأراضي.
6 - تشجيع تطوير الأراضي البيضاء.
7 - تنظيم التأجير ووضع أنظمة صارمة لحفظ حقوق الملاّك مما يشجع على الاستثمار في ذات القطاع.
8 - الحد من تجارة المضاربات.
9 - ... إلخ
في الخميس القادم سنناقش - باذن الله - العوامل التي تساعد على إبقاء أسعار العقار السكني في حدود معقولة وتخفيف أزمة السكن.