لعلنا نتفق على أننا نعيش في حقبة جديدة من تاريخ البشرية تختلف تماما عن سابقاتها في كافة الأبعاد وفي مقومات التقدم والنجاح. عصر اختلفت فيه عوامل القوة وآليات التقدم ومقومات النجاح. أصبح الإعلام أكثر أثرا من البارود وأضحت المعلومة أشد قوة وأثرا من قوة الآلة. نمضي جل وقتنا في استقبال أو إرسال المعلومة أو البحث عنها والتي أصبحت جزءا من حياتنا وأضحت عنصرا رئيسا في مكوناتنا الجسمية الحسية والمعنوية شأنها شأن العناصر والفيتامينات الغذائية التي عرفها علم الطب البشري. إذا كان يحلو للبعض أن ينعت عصرنا الحاضر بعصر التكنولوجيا فإنني أعتقد أن الأولى بنا أن ننعته بعصر المعلومات. تشير الدلائل الإحصائية إلى أن حجم المعلومات التي تكونت خلال الثلاثين السنة الماضية تفوق حجم المعلومات التي تراكمت خلال خمسة آلاف سنة سبقتها. وأن ما يتم نشره في عدد واحد من جريدة نيويورك تايمز يساوي حجم المعلومات التي قد يحصل عليها الشخص في انجلترا طوال حياته في القرن السابع عشر.
يقال إن من يمتلك المعلومة يمتلك القوة. أصبحنا نعيش في عصر الواي فاي تلك التقنية التي تمكننا ليس فقط من الاطلاع الآني على ما يجري في العالم بأسره بل والاتصال به والتواصل معه. أدى هذا التحول الجذري المعلوماتي إلى أن يقوم أبناؤنا وبناتنا بتغيير أسمائهم التي منحت لهم عند الولادة إلى «اليوزر نيم» وأصبح هذا الاسم التقني بوابة التواصل بينهم وبين العالم كله. وأصبح هذا الاسم معروفا لدى عدد كبير يفوق بأضعاف مضاعفة شهرة الاسم الحقيقي.
الشيء المسلم به هو أن هناك تضخما (مع الاعتذار لعلم الاقتصاد لهذه الاستعارة) في حجم المعلومات المتداولة مع تدن لقيمتها. تشير بعض الدلائل إلى أن المواطن السعودي يستقبل يوميا ما معدله ثلاثة آلاف مادة إعلانية. ويكفي أن نتصور تدني حجم القيمة المضافة لهذه المعلومات التي ترهق العقل والسمع والبصر والبصيرة ولا تضيف قيمة تذكر.
لماذا كل هذا الهوس في المعلومات وما هي المضامين التنموية والاجتماعية وراء ذلك. لقد أدرك المجتمع العالمي الحديث ـ على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول ـ أهمية المعلومة كسلاح ناعم يساعد على البقاء على قيد الحياة والتعايش مع المستجدات في مجتمع متحرك يعج في كثير من المتغيرات والمتناقضات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لاشك بأن هذه القناعة ستفضي إلى صراع ناعم على المعلومة في القريب والبعيد وسيصبح امتلاك المعلومة وتحويلها إلى قيمة مضافة عنصرا رئيسا في تقدم الأمم والشعوب والأفراد وفي تحقيق مراكز متقدمة في مضمار الماراثون العالمي.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أين نحن من هذا السباق المحموم وما هي انعكاسات ذلك علينا كأفراد وكمجتمع؟ ثم ما مدى قدرتنا على حصد مركز متقدم في مضمار التنمية العالمي الذي يرتكز أساسا على المعلومة. في تقديري أن ذلك يعتمد في الدرجة الأولى على قدرتنا على تحويل المعلومات المتوفرة إلى قيمة مضافة، أما مجرد حيازة المعلومة فهو متاح للجميع ولن يحقق أي تقدم مرغوب.
يبدو أن الصراع على امتلاك السلاح الناعم (المعلومة ذات القيمة المضافة) سيكون أكثر منه على حيازة الآلة العسكرية. ذاك لأن امتلاك الأولى هو أقرب وسيلة لتعزيز قوة الدول ورفاه الشعوب في هذا القرن.
الذي أردت أن أصل إليه هنا هو تذكيرنا ـ كمجتمع وأفراد ـ بأهمية صناعة المعلومات دون الاكتفاء بجمعها وحيازتها.
كلي أمل بأن يأتي اليوم الذي تتكون لدينا مصانع (مراكز) لصناعة المعلومات على شكل مجموعات تفكير (Think Tank) أو غيرها من الأشكال أو الكيانات التي تساعد على توظيف المعلومات المتوفرة وتحويلها إلى قيمة وذلك لخدمة التنمية الوطنية بمفهومها الشامل. لأن تحقيق التنمية العصرية المستدامة يتطلب المشاركة في صياغة المستقبل وليس محاولة ردود الأفعال لمستجداته ومعطياته فقط.
والله الهادي إلى سواء السبيل،،،،