أوضح مختصون، أن تخفيض مدة إقامة الوافدين بتأشيرة عمل إلى أربعة أعوام بدلاً من ستة، تمهيداً لخفضها إلى عامين منتصف العام المقبل، من شأنه أن يزيد عمليات التوظيف الوهمي، خصوصاً في القطاعات المهنية والفنية التي تشهد عزوفاً من قِبل السعوديين.
وقال عبد الله الأحمري رئيس لجنة التثمين العقاري بغرفة جدة لـ»الجزيرة»: علينا أن نعي جيداً أن وزارة العمل تهدف من خلال خفض مدد ترخيص إقامة العمالة الوافدة، إلى تحفيز منشآت النطاقات الدنيا على تحسين أوضاع التوطين بها، ولكن للأسف هذا الأمر لا يمكن تطبيقه بأي حال من الأحوال، خصوصاً أن القطاعات المهنية ما زالت تشهد عزوفاً من قبل السعوديين للعمل في وظائفها المهنية والفنية والإدارية أيضاً.
ولفت الأحمري إلى أن القرار الذي أصدرته وزارة العمل من شأنه أيضاً أن يتسبب في حدوث ندرة في الأيدي العاملة، ويزيد من حجم التكاليف الملقاة على القطاعات المتضررة، والتي أغلبها من المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مما قد يتسبب خلال العامين المقبلين في زيادة معدل خروج تلك المنشآت من السوق، وذلك في ظل هيمنة وقدرة المنشآت الكبيرة على تطبيق مثل هذه القرارات التي قد لا تتسق بالشكل والمضمون مع احتياجات المنشآت الصغيرة.
وأشار الأحمري الذي يشغل أيضاً منصب رئيس مجلس إدارة إحدى شركات التطوير والاستثمار العقاري، إلى أن قطاع التطوير العقاري في المنشآت الصغيرة والمتوسطة يشهد عزوفاً حقيقياً من قبل الشباب السعودي حتى ولو كان ذلك في بعض الأعمال الإدارية التي يُراوح معدل الرواتب فيها بين 3500 - 6000 ريال.
ويرى أن مثل هذه القرارات تصب في مصلحة منشآت معينة على حساب أخرى.. المنشآت الصغيرة والمتوسطة ستصبح كورشة لتدريب العمالة الوافدة حيث إن من60 إلى70 % منها لا تدرك المهام التي ستناط بها، رغم أنه تم استقدامهم بوثائق ومسميات مهن تتوافق مع ما تحتاجه هذه المنشآت.
وتابع الأحمري: يقوم أصحاب المنشآت بتدريب تلك العمالة وتأهيلهم للقيام بالأعمال المطلوبة منهم، وهي تقريباً نفس مدة تجديد الإقامة في حال تخفيضها إلى سنتين، ما قد يدفع بعد ذلك بتلك العمالة التي أتقنت المهنة للانتقال إلى منشآت أكبر وبمزايا أفضل، وفي هذه الحالة ستواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة أزمة حقيقية، فدورها تحوّل من منشآت تبحث عن الربحية إلى منشآت أشبه ما تكون بمراكز التدريب المهني.
وشدد رئيس لجنة التثمين العقاري في غرفة جدة على أن تعمل وزارة العمل على عقد ورش عمل واجتماعات دورية مع رجال الأعمال وأصحاب المنشآت الوطنية قبل اتخاذ القرارات التي تتعلق بالجانب العمالي، وذلك لما تسببه تلك القرارات من تأثيرات على القطاعات التي تستوجب أعداداً هائلة من العمالة.
وأضاف: المتضررون من هذه القرارات هم أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة والتي ستتسبب بكل تأكيد في تعثر وتأخير المشاريع الحيوية، خصوصاً أن الكثير من تلك المنشآت تعمل تحت مظلات شركات كبرى من الباطن، مفيداً أنه بات من الضروري أن تبدأ وزارة العمل في البحث عن برامج جديدة وحيوية توفر السعودة الحقيقية دون الإضرار بالمنشآت الوطنية، وبعيداً عن تلك المبررات المتعلقة بالتوطين.
ولم يستبعد الأحمري أن تكتشف المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بعد فترة قصيرة من تطبيق مثل هذه القرارات التي وصفها بالسلبية على القطاع، ارتفاعاً في نسبة تسجيل وظائف للشباب والفتيات السعوديين في مهن مشكوك العمل بها في شركات ومؤسسات القطاع الخاص، كعمل المرأة في قطاع التشييد والبناء، واكتشاف حالات غير صحيحة،كتسجيل مشترك في منشأتين في مدينتين مختلفتين، وعدة مخالفات للسعودة كما حدث من السابق.
ودعا إلى إن تبادر الغرف التجارية بالتنسيق مع وزارة العمل للعمل على إيجاد مهن للسعوديين في مجالات الصناعة، إضافة إلى تدريب الشباب على الصناعات الكبرى لتجويد المنتج بأيدٍ سعودية، وتقليل تكاليف الاستيراد وما يصاحبها من أجور مختلفة، وذلك بجانب استثناء بعض القطاعات التي لا يمكن شغلها بالوظائف الوطنية وحتى لا تصبح مضطرة لعمليات التوظيف الوهمي لتواكب قرارات وزارة العمل التي ستلحق الضرر بها.
وقال الخبير الاقتصادي فيصل الدوخي لـ»الجزيرة»: قرار تجميد حسابات العمالة الوافدة التي بها حركة مالية كبيرة ومشبوهة لا تتناسب مع مهن تلك العمالة وأجورهم، بلا شك يُعتبر قراراً صائباً وحكيماً، بل وتأخّر كثيراً، ولكن الأهم من ذلك هو تفعيل هذا القرار وتطبيقه على أرض الواقع، لمحاربة الغش التجاري، وغسيل الأموال وللحد من سيطرة الأجانب على بعض الأنشطة التجارية (بمساعدة ضعاف النفوس المتسترين)، فاحتكار تلك العمالة وسيطرتها لها إفرازات سلبية على اقتصادنا الوطني، فالقرار يهدف إلى معالجة وضبط أجور تلك العمالة وربطها بما يتوافق وعقود أعمالهم، مما يساعد على ضبط العمالة السائبة والحد من ظاهرة التستر وقيام العمالة بالعمل لحسابها الخاص، لذا فمن أهم إيجابيات هذا القرار من الناحية الاقتصادية هي زيادة توظيف السعوديين وإحلالهم مكان هذا الكم الهائل من العمالة سواءً النظامية أو غير النظامية وخصوصاً تلك التي تمارس نشاطات الاقتصاد السري والاقتصاد الأسود والغش والتدليس التجاري في هذا البلد وتضييق الخناق عليهم عند رغبتهم بتحويل تلك الأموال لبلدانهم، مما يعني بقاء الأموال داخل البلد وعدم تحويلها إلى الخارج (مما يُسمى بعملية تهريب الأموال) حيث أظهرتْ بيانات النشرة الإحصائية لشهر ديسمبر 2013م الصادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي أنّ حجم التحويلات المالية للعمالة الأجنبيّة بلغت 148 مليار ريال بنهاية عام 2013م وبلا شك فإنّ هذه التحويلات الضخمة تضر باقتصادنا بعكس إذا ما تم صرفها داخل البلد مما سيساهم في دفع العجلة الاقتصادية والنمو الاقتصادي في بلدنا.
من جانبه يقول عضو اللجنة الأمنيّة في مجلس الشورى عبد الله السعدون: قامت مؤسسة النقد بخطوة مهمة برغم أنها متأخرة في هذا الجانب، لأن البنوك تُعد من أهم مصادر حركة الأموال ومقدار السيولة المالية الموجودة سواء في السوق أو التي تخرج من المملكة أيضاً هي تقيس اقتصاد البلد بشكل عام، وبالنسبة للبنوك لا بد أن تقوم بالمتابعة، وهذا أمر مهم جداً وخصوصاً بالنسبة للعمالة، لأنه إذا كانت هناك حركة مالية أكثر من دخل العامل فهذا أمر خطير، ولا بد أن تتوافق هذه المبالغ مع دخلة اتقاءً لعمليات التستر وغسيل الأموال.. وتابع: هناك مال غير مشروع، وهناك بيع للمسكرات والمخدرات والدعارة وأمور أخرى خطيرة تقوم بها العمالة الوافدة وتضر البلد وصحة المواطن، ولا بد من متابعتهم من قبل البنوك ومراقبة أرصدتهم ومساءلة من يريد التحويل عن مصدر هذه الأموال.
وأضاف: هذا القرار مهم جداً لأنه يحد من الفوضى التي تمارسها العمالة وعمليات غسيل الأموال، وهذا ليس بالأمر الكافي ولا بد من اقتحام المجال التجاري والخدمات لأن هناك عمالة تقوم بتأجير العمائر والشقق المفروشة وغيرها بعيداً عن أعين الجميع وهذه ليست سوى خطوة واحدة في سبيل حماية اقتصاد البلد من العمالة التي تقوم باستغلال البلد والمواطن.
ويؤكد الخبير الاقتصادي فضل البوعينين أن البنوك السعودية مقصرة كثيراً في الجانب الرقابي على حسابات وحوالات الوافدين، وأزعم أن هناك تسرباً كبيراً للأموال المحولة من قبل الوافدين والتي لا تتطابق مع ملاءتهم المالية المرتبطة بالدخل، فقانون الملاءة المالية ليس بالجديد، ولكن تعامل المصارف معه لم يرق للمأمول، ويرجع لضعف الرقابة المطبقة على المصارف.
وقال: أعتقد أن ضعف الرقابة المصرفية يُعد السبب الأول في وجود ظاهرة التستر وانتشارها، فضبط القنوات المالية يمكن أن يشل حركة الوافدين ويضعف من عمليات التستر بشكل كبير.. وأشار إلى أن القرار جيد في مضمونه، وما لم تمارس مؤسسة النقد دورها الرقابي بشكل صارم فسيكون القرار حبراً على ورق.