أيها القارئ الكريم، التفت حولك الآن. هل ترى قلم حبر قريباً منك؟ خذه وتأمله قليلاً. أريدك تحديداً أن تتأمل غطاءه. هل تلاحظ شيئاً؟ طيب، خذ نوعاً آخر من الأقلام وتفَحَّص غطاءه. وثالثاً إن أمكن. هناك شيء مشترك ستجده في أغلب أغطية الأقلام، وإذا لم تدرك ما هو حتى الآن فسأخبرك: فتحات. أغطية أقلام الحبر دائماً أو غالباً تحوي فتحات. لماذا؟ لموازنة الضغط الموجود داخل القلم مع الضغط الخارجي، وهذا يمنع الحبر من أن يُسكَب خارج القلم، أما الأقلام التي لا توجد فيها فتحات فغالباً تحوي أنابيب حبر مُغلقة بإحكام من الداخل. هذا سبب، ولكنه ليس السبب الوحيد، فالسبب الآخر الغريب والذي لا يعرفه الكثير من الناس هو أن هذه وسيلة احتياطية القصد منها حفظ الحياة، ذلك أن الأطفال الصغار عُرِف عنهم وضع أي شيء وكل شيء في أفواههم، واختنق بعضهم بسبب وضع أغطية الأقلام في أفواههم –وجزء من سبب هذا هو أن الأقلام وأغطيتها من أكثر الأشياء انتشاراً- وهذا ما أجبر هيئات السلامة أن تفرض بعض المعايير على شركات الأقلام، ومنها وضع فتحات في أغطية الأقلام حتى إذا ابتلع طفلٌ قلماً فإنه يكون لديه فرصة ولو قليلة ليتنفس. ولا يقتصر هذا على الأطفال بل حتى الكبار كثيراً ما يضعون غطاء القلم في الفم (أثناء التفكير مثلاً) ويزلق ويخنقهم، حتى إن 100 شخص يموتون كل سنة بسبب هذا!
الأشياء التي حولنا لو تأملناها لوجدنا فيها خصائص صغيرة قد لا ننتبه لها مبدئياً ولكنّ لها أغراضاً، وهذه التي ذكرتها الآن من ظرائف القلم، هذه الآلة العظيمة ذات التاريخ العريق، فقد ظهر القلم قبل قرابة 5000 سنة، ذلك أن قدماء المصريين جوّفوا قصبة وقطعوا طرفها ثم حشوا القصبة بخضابات وألوان طبيعية ممزوجة بشمع العسل وأصماغ سائلة ثم كتبوا على ورق البردي، ومثل كل آلة بشرية أخذ القلم في التطور، فذهبت القصبة الكبير وحل محلها الريشة وهي بديل أصغر وألطف وأسهل استعمالاً، وغالباً أتى الريش من الوزة، ولأن الريشة أرق من القصبة الصلبة صار الناس يقدرون أن يكتبوا بخطوط أجمل وأكثر تنوعاً، وأكمل القلم مسار التطور حتى أتت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر الميلادي لما بدأ الناس يكتبون بأقلام ذات أطراف معدنية، وهذه ظهر أنها الطريقة الأيسر وهي التي لا زالت تُستخدم إلى اليوم.
تنظر للقلم ولا تتوقع أن وراءه هذا التاريخ العريق وأنه يمتلئ بأغراض وأسرار!