تعد الدكتورة (كوثر القاضي) من أهم النقاد الجدد الذين قاوموا عمليات التسطيح والابتذال، والتي كان ولا يزال يقوم بها من يمكن أن نحسبهم في صف (أعداء الفن) وهم بهذا أعداء للحياة الجميلة والمتسامية والشاعرية والمزدحمة بمفردات الشجر والماء، والتي تهيمن عليها لغة تليق بها. وإن اختيار الدكتورة كوثر لعنوان رسالتها للدكتوراه هو اختيار موفق وهو وصف مدوٍ مثلما لو أن وصف القاص بالشاعر أمر مخجل.
هذا الاختيار الذكي والشاعري أيضاً يعني أولاً أن الدكتورة كوثر هي أيضاً تعجبها لغة السرد المحلي بسبب أن في داخل كل مبدع شاعراً ربما لا يستطيع أن يتحدث عن عشقه الشعري وذلك سيمتد معنا إلى الزمن التاريخي والأسطوري، إذ إننا ننحدر من أمة كان الشعر إحدى علاماتها وثروة قومية واجتماعية لها لأن الشعر كما يقول يحيى حقي ابتلع بفمه العملاق فنوناً أخرى كالنحت والمسرح. والحقيقة أن السرد الشاعري لا يعني شعرية السرد التي تعنيها الدكتورة كوثر. وهنالك فارق بسيط و لا يُرى بالعين (المجردة)! بين القصة الشعرية وبين شعرية القصّ. إذ تقرر هذه الثانية أن تلج من باب الغرفة محملة بالحكايات تلك التي لا يكفي أن تكون مدهشة بل ينبغي أن تتذرع بما تشاء من نسيج الفنون الجامع لتدخل رسالتها عقل الإنسان اللا واعي دون أن تكون في حالة (حصار) أو (ملاحقة). وبمناسبة الحصار والملاحقة كان مما لفت نظري حين التقيت الدكتورة كوثر في ملتقى (القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً) الذي نظمه كرسي الأدب السعودي في جامعة الملك سعود باهتمام من الدكتور صالح معيض الغامدي، الذي تشعر أنه يلاحق الزمن لكثرة ما لديه من مشاريع أقول: إن مما لفت نظري هناك أن الحضور -رجالاً ونساءً- لا يحفلون بالقراءات النقدية ولم أسمع من عضو هيئة تدريس جامعي ثناء بالأخص على الدكتورة كوثر القاضي التي جمعت بين ذائقة المتلقي المبدع وطول نفَس الناقد الذي يلم شتات الفصول ويدوّن ساعات الحضور والغياب.
تقول الدكتورة كوثر: (إن تفاقم الضغوط، في الواقع والانكسار الممزوج بالأسى. يولّد إحساساً جمالياً يستوعب الشعر و-يمتص- جوهره. بوصفه أحد الردود الممكنة للسعي إلى جمال معين).
هذه الفقرة الصغيرة تبين أن للدكتورة كوثر رؤية تقارب الشعر وأنها تراه صار موجوداً بغزارة. وكونه موجوداً لا يعني ألا تتطور القصة تجاه وتجاه الأجناس الأخرى.
تقول د.كوثر (سأتجاوز في هذا الفصل الحدّ التقليدي للحدث القصصي الذي قد لا ينطبق تماماً على موضوع البحث) وبهذه الجرأة منحتنا مصطلحات جديدة وقفزت من مقعد التلميذة وصارت معلمة.
كتابها المذكور هو رسالتها المقدمة للدكتوراه. التي نالتها مع مرتبة الشرف وتوصية اللجنة المشرفة على مناقشة كوثر بطبع رسالتها كونها سفراً يستحق التداول. وهذه أحد أسباب كتابة هذا المقال. أي أن الأنثى السعودية عندما لا تكون مكبلة بقيود المجتمع الذي يخلط بين الدين وبين العادات والتقاليد تنطلق بهذه الطريقة الرائعة للدكتورة كوثر القاضي و تتربع الدكتورة كوثر الآن حسب زعمي على مقدمة مقاعد النقاد المخلصين أو من يسمون بالمتلقين المبدعين. فهي لم تكتف بفك طلاسم الكتابة التي مر زمن طويل ونحن نهرب عبرها من عين الرقيب ويده ولسانه. ولأنها ليست من الجيل نفسه بل هي أصغر سناً إلا أن نبوغها أعطاها موقع القيادة بامتياز وهذه فرصة لتقديم الشكر والعرفان ودعوة صادقة من الله أن يوفقها لنراها في أرقى أمكنة الثقافة المعضدة بالعلم والجدية.
شكراً يا بعض المناسبات!