ثمة مشكلة في حالنا الثقافي، تتمظهر في أننا لسنا واثقين ككتاب وكمتلقين من أننا سنسلم من العقاب الاجتماعي في حال قلنا مرة أو مرتين إنه ينقصنا الشيء الفلاني، أو أن الكاتب الفلاني هو ليس أكثر من منافق وربما كذاب! ولهذا السبب وحده فإنه يلزمنا بشدة القيم التي ندّعي أننا نصونها بينما نحن نخترقها بدم بارد.
والقيم الأعلى أهمية تتمثل في القدرة على مواجهة الصعاب، والقدرة على تقبل النتيجة في معاركنا المتكررة، وكذلك نفعل حين نقول إن هنالك أداء أفضل في نتاجنا الثقافي نتيجة أن الوزير قد وضع مع مساعديه خطة بعيدة المدى لردّ الصاع صاعين إلى من يقفون في وجه حداثتنا المكتوبة، وليست حداثتنا المعاشة.
كلا! ومع الأسف، لدينا عاهات ثقافية موجعة، لكننا نتجاهلها باعتبار أن على الذين يرددون مطالبين بتصحيح خطأ قامت الحكومة بخلقه، لكنها عجزت عن التصرف بتلك الروح الطليقة.
لدينا شعور طاغٍ بأننا نهم الآخرين، ونتمتم لبعضنا «أرأيت كيف تهاوت احتجاجات فلان؟! إيه. لأنه هو أصلاً لا يؤمن بالخطاب الذي يردّده.. ها ها». لأننا - وهذه حقيقة - لا نقبل الجدل ممتثلين لتأنيب الضمير إلى مرحلة جلد الذات.
عندما نقرر القيام بعمل إبداعي وخلاّق نرتبك، وتعترينا (سَورة من رثاءٍ لأنفسنا، فنبكي..).
كنت دوماً أحاول الوقوف محايداً على الأقل، لكنّ نفسي اللوامة تسرد لي قائمة بطول عشرين ذراعاً، تلخص فيها الأخطاء باليوم والتاريخ؛ فلا يسعني أكثر من التفكير في الرحيل، وكأن الرحيل هو قدرنا نحن جيل الكارثة (على رأي الكاتب والشاعر الكبير عبدالكريم العودة)، وهي تسمية غير مجانية؛ إذ كان يعني أننا في زمن أسمّيه أنا (عنق الزجاجة)، وهو الزمن العريض والغليظ والأصفر الذي الذي كان فاصلاً بيننا وبين من نعنيهم بما نكتب! زمن تحوّل فيه الكتاب الذين جاؤوا من الكتاتيب، وجهروا بالسوء في حقنا كأناس بعيداً عن اعتبارنا مختصمين في قضية تتعلق بالخطاب الثقافي الذي يظنونه تجديفاً، ويتفننون في الكذب.
ولن تقوم لصحافتنا قائمة ما لم تستأصل الأورام التي خلقت في سيرة حياتنا، رغماً عنا، وما لم تكف ماكينة الأموال الهادرة وضخها النقود في بطون قوم يعدون أنفسهم المدافعين عن حمى الدين والوطن وهم أنفسهم لا يمثل لهم الوطن أكثر من جدول بمواعيد المناقصات ومصدر سعادة يرفرف على فضاء بيوتهم الفارغ؛ إذ إنهم لا يزرعون فيه ولا حتى شجيرات الورد المسكينة.