استهلاك الكهرباء والبنزين في المملكة ليس الأعلى

متوسط استهلاك الفرد للكهرباء في «السكن» بفلوريدا وتكساس وألباما أكثر من نظيره السعودي بنسبة تتراوح من 27 % إلى 58 %

عندما نقارن «متوسط استهلاك الكهرباء للفرد» (صناعي وتجاري وحكومي وسكني) بين الفرد البريطاني والفرد الفرنسي، نجد أن الفرد الفرنسي يستهلك كهرباء بزيادة 39 في المئة عن مثيله البريطاني; أما الفرد الكوري فيستهلك كهرباء 82 في المئة أكثر من البريطاني، أيّ أن الفرد الكوري يستهلك تقريبًا ضعف استهلاك الفرد البريطاني. ولكن هذه المقارنة خاطئة ومليئة بالعناصر المخالفة للمقارنة السليمة.

«متوسط استهلاك الكهرباء للفرد» مؤشر ليس للمقارنة بين الدول والأفراد، فقط يعطي دلالة عن الاستهلاك في المواصلات والكهرباء والصناعة في القطاع الحكومي والصناعي والتجاري والسكني، فمن الخطأ أن نقارن بلد مليئة بالمعامل النفطية والبتروكيماوية أو الصناعيَّة ببلد ليس بها نفط ولا صناعات بالحجم نفسه، وهناك عدَّة عوامل أخرى.

هذا المقال لا يدعو إلى إهمال الدور التوعوي لترشيد الاستهلاك، إنما فقط لتوضيح بعض الملابسات في مفاهيم المقارنة والتهويل.

«استهلاك الكهرباء في القطاع السكني» وغيره يعتمد على عدَّة عوامل مؤثِّرة، فبعض الدول تميل للأجواء الحارة ستة أشهر في السنة، وبعضها ثمانية أشهر وبعضها أكثر وبحاجة لأجهزة التكييف بكثرة ; وهناك دول قارصة البرودة ثلاثة أشهر في السنة وبعضها قد يصل إلى ستة أشهر أو أكثر وبحاجة إلى أجهزة التدفئة.

وأيْضًا هذا الكلام ينطبق على مناطق ومدن مختلفة من الدولة نفسها.

وكذلك استهلاك وقود السيارات يعتمد على عدَّة عوامل مؤثِّرة، فبعض الدول أو المدن تجدها مهيأة بالبنية التحتية للمواصلات فتجد قطارات داخل وبين المدن، والحافلات المناسبة والمطارات والطائرات والشوارع الواسعة، وفي المقابل يوجد دول ومدن على العكس تمامًا تنقصها تلك الخدمات فتجد استهلاك الوقود بها مرتفعا.

في المجمل لا تستطيع المقارنة بين دولة وأخرى أو مدينة وأخرى، ولكن هناك بعض المؤشرات التي تساعد على معرفة إن كانت الدَّولة أو المدينة عالية الاستهلاك ولديها هدر في الوقود أو الكهرباء أم لا.

استهلاك وقود البنزين في المملكة لا يمكن مقارنته بدولة أخرى ما لم تجد بلد مماثلة وبها التركيبة السكانية والاجتماعيَّة والتنموية نفسها، فحسب التقارير الرسمية (منها تقرير الدول المصّدرة للنفط «أوبك»)، الاستهلاك في المملكة 480 ألف برميل يوميًا، أيّ 76 مليون لتر يوميًا; وإذا قسمنا هذا الاستهلاك على عدد السيارات (10 ملايين سيارة)، سنجد أن متوسط استهلاك السيارة الواحدة 7.6 لتر، أيّ أن متوسط تعبئة خزان وقود السيارة الواحدة للبنزين بسعر 4 ريالات فقط في اليوم الواحد. أجزم أن تعبئة بنزين بـ 4 ريالات في اليوم لا يكفي للمشاوير الضرورية، ونظرًا لغياب معايير المقارنة الحقيقية، سأترك الحكم للقارئ إن كان تعبئة خزان سيارته بـ 28 ريالاً أسبوعيًا تكفي للمشاوير الضرورية أم أن هناك هدرًا وزوائد!

أما بالنسبة لاستهلاك الكهرباء فالمقارنة لاستهلاك السكان أسهل بكثير، وبما تكون المقارنة قريبة وإن لم تكن دقيقة. فأفضل مؤشر لاستهلاك الكهرباء لتحديد هدر المواطن والمقيم هو «متوسط استهلاك الفرد للكهرباء في القطاع السكني»، فتجده الأعلى في العالم في دولة النرويج بمتوسط 7900 (ك. و. س.)، تليها الولايات المتحدة بـ4650، وكلٍ من السعوديَّة وفنلندا بـ 4400، والسويد وكندا بـ 4300، وجميع هذه الأرقام بوحدة (ك. و. س.) أو (كيلو وات - ساعة).

وعندما نقارن استهلاك الفرد في النرويج بجارتيها فنلندا والسويد تجده الضعف مع أنهَّم يتشاركون في برودة الأجواء والبنية التحتية متشابهة ومستوى الوعي وثقافة الهدر لديهم عالية جدًا، ولكن عندما تعلم أن النرويج تستخدم الكهرباء للتدفئة بينما فنلندا والسويد لا تستخدمان الكهرباء للتدفئة، تعلم أن المقارنة ليست عادلة. عمومًا، النرويج اختارت الكهرباء كوقود للتدفئة لأن 90 في المئة من معامل الكهرباء تستخدم الشلالات كوقود للمعامل، وليس نفطًا أو غازًا أو غيره.

ومن جهة أخرى، وبمقارنة أكثر واقعية وحقيقية، متوسط استهلاك الفرد الأمريكي للكهرباء 4650 (ك. و. س.)، أيّ أن هناك ولايات تكون حارة في الصيف (الولايات الجنوبية) وتستهلك كهرباء أكثر من متوسط بقية الولايات، فمثلاً متوسط استهلاك الفرد للكهرباء في ولاية لويزيانا 6960 (ك. و. س.)، وولاية ألباما 6900، وفلوريدا 6000، وجورجيا 5800، وتكساس 5600، وجميعها بالـ (ك. و. س.).

جميع هذه الولايات حارة صيفًا وقريبة جدًا من مناخ جدة والرياض والدمام في الصيف والشِّتاء، ولكن متوسط استهلاك الفرد للكهرباء في القطاع السكني بهذه الولايات أكثر من متوسط استهلاك الفرد في القطاع السكني بالسعوديَّة والزيادة بين 27 في المئة و58 في المئة، هذه هي المقارنة العادلة مع أن أسعار الكهرباء أغلى بكثير من السعوديَّة، والمواطن الأمريكي حريص ويتلقى الكثير من الإرشادات في الاستهلاك.

لا شكَّ أن هناك ارتفاعًا في استهلاك الكهرباء والوقود في المملكة، ولكن يجب عدم توجيه أصابع الاتهام للمواطن مباشرة، فهناك خفايا كثيرة للموضوع، فالمعلومات والبيانات معروفة لدى المختص بهذا الشأن. المركز السعودي لكفاءة الطاقة «كفاءة» حريص على تحديد مكامن الخلل في هدر الاستهلاك، ولديه برامج مُتعدِّدة لمعالجة النواقص، ويجب على كلّ من أؤتمن على قلمه أن يتحرى الحقائق قبل الكتابة بمعلومات غير دقيقة.

- م. برجس حمود البرجس

@barjasbh

موضوعات أخرى