يسأل كثير من الناس عن العلاقات الخليجية الخليجية، ومن يُجِب بسرعة عن هذا السؤال البسيط المعقد، أجزم بأنه إما يجهل ظروف المنطقة أو يردد صيغة مثالية لوصف الروابط والأواصر والمشتركات. لولا سلسلة الأخطار المحيطة حول المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية لم يكن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله سيطلق دعوته التاريخية بالانتقال إلى مرحلة الاتحاد، وهي دعوة لتسريع حلم قديم عاش في عقول أبناء المنطقة، ولأن هناك مُعطلات غُرست في الجسم الخليجي،
لم يحسم الأمر، ولأن سهام التخريب اقتربت بل اكتشفنا أن من ينوي إطلاقها علينا يعيش بيننا، أصبح الاتحاد ولو بصيغ غير تلك المأمولة ضرورة إستراتيجية.
هناك مصالح لدول تريد تغيير معالم المنطقة سياسيا، وهناك من يحضر لتعريف الإسلام السني بطريقة جديدة، ويريدون النموذج الحزبي الذي يُحسن التعامل البرجماتي مع السياسة ويسعى لتحقيق أجندته وفي سبيل ذلك سينفذ كل ما يُطلب منه، يريدون لهذا النموذج أن يتسيد وإلصاق كل التهم بالتطرف والدموية في الدعوة الربانية المتجردة من التسييس والمسايسة، ما أقوله هنا ليس جديدا، ولكن المتجدد دائما هو الخطر الذي ينمو في الخليج، مثلا الإخوان المسلمون يشكلون خطرا كبيرا على الأمن، ويظهر هذا من خلال تصريحات المنتمين للجماعة الذي يعتبر مخالفا للقانون في كل من السعودية والإمارات والكويت، ولكن نجد دولة تحتضن في أراضيها كل زعامات هذا التنظيم، كيف يمكننا الجمع بين الماء والنار في سطح واحد غير ثابت، دون أن تنطفئ النار أو ينسكب الماء؟
أيا ما كان فلن تبقى الشقيقة بعيدة عن شقيقاتها، ولكن هناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات، لأن المطلوب من دعاة الحكمة أن يبقى الخليج هادئا ومتصالحا، ماذا تستفيد دولة من دولة لو انهار الأمن في بقية الدول؟ وماذا سيفيدها عندما تتمنى أجندة حزب في وجه مليار مسلم، وماذا عن منظومة الأمن الخليجي؟
هل هو دور يراد لها أن تلعبه، أو أنها تريد لعب الأدوار الصعبة لتحقيق بطولة توازي ما يُنفق من أموال؟ أعرف مثلا عن القطريين حبهم الكبير للسعودية وللخليج، وأعرف أن الترابط الأسري والقبلي كبير.
هناك بلا شك انفراج وشيك في الإشكال الخليجي، وهناك ضمانات وعهود، وبقي الموقف السعودي مؤكدا أن الإمارات العربية المتحدة التي تطالها سهام المأجورين خط أحمر بالنسبة للسعودية وأن أمن الخليج خط أحمر مهما حصل، وحتى لو تعرضت قطر الشقيقة لمكروه -لا سمح الله- ستقف معها السعودية بكل قوتها.
تعقيدات السياسة في المنطقة العربية وخارجها تلقي بظلالها على الخليج، وهناك دائما من يصطاد في الماء العكر، وهناك من يقتات على الخلافات الخليجية، والرابح دائما من ذلك هم الإيرانيون أصدقاء أميركا الذين يملكون ماكينة إعلامية ظهرت تأثيراتها في الغرب، يجب أن يعي كل صناع القرار في منطقة الخليج أن العلاقات الخارجية لمجلس التعاون يجب أن تخضع لسياسة موحدة فعلا وليس قولا، حتى نحمي وحدة المجلس من التأثيرات والتدخلات.
أميركا تعرف أهمية مجلس التعاون، وتعلم أن أي اختلال سيشعل مشكلة لا نهاية لها، خصوصا في هذا الوقت، وذلك سيؤثر عليها بشكل مباشر اقتصاديا وسياسيا، وإن كنت متيقنا أن أميركا تملك قوة الحسم والحزم سياسيا واقتصاديا وعسكريا بشكل يجعلها مخلصة لحلفائها ومراعية لمصالحهم، ولكنها كما يبدو تمر في زمن ضعف الهمة وسوء التدبير الذي سببه الرئيس باراك أوباما، الذي يستحق الاحترام كمتحدث جاذب ومثقف ساحر ولكنه سياسيا فشل في الاحتفاظ بثقة أصدقاء أميركا.
الثورات العربية المصطنعة التي دبرتها أيادٍ عابثة، كادت تحرق المنطقة برمتها، والخليج بقي آمنا، ولكن لا نريد من العابثين أن يعيدوا المحاولة بعد فشل إكمال مهمتهم الأولى ونكون نحن الضحية رقم1.
لذا على الخليج تطهير البيت من عبيد الدرهم والدينار، وأصحاب الأجندات والعملاء المتقلبين، فلا وقت للمهادنة والمفاهمة والإقناع، من يُرِد الزعامة عليه أن يكون مؤهلا لها، ليس منقادا لأحد ولا متورطا في عمالة استخباراتية.