ليس أكثر من يومٍ واحدٍ فقط جرِّب أن تغلق أُذنيك عن الأخبار.., وعينيك عن ملاحقة صور ما تتلقّفه الأرض من شظايا جثث, وأنقاض بناء.. ومكائد, وتغيُّرات..!
حاول أن لا تتابع من يصبون في عروقك اللهيب.., ويطعمون صدرك الحرقة, ويستلمون منك تفكيرك ليخلطوه بأفكارهم..
حاول أن تخلع عنك رداء الأمس الذي غلّف مشاعرك, وحجبك عن موطئ قدميك..
حاول ليوم واحد فقط أن تلتفت لركنك الخاص لتواسيه, لكتاب تركته لأيام في انتظارك لتذكره, لرفيق نسيت ملامحه وعيناك متجهتان صوب الشاشات لتلتفت إليه، لعامل في الشارع عبرت من جواره ولم تلق له بابتسامة لتعتذر منه، لذهنك المخطوف نحو فكرة احترَّ بها صدرك تسارع لتدوينها في «تغريدة» فتستعيده.., لبابِ هجرٍ نسيت أن تغلقه بينك وبين صديق طال عليه الوقت لتنقضه، لجلسة إخاء باعدت بينك وبين إخوتك عنها مشاغل الوقت لتقيمها..,
حاول ليوم واحد أن تغتسل بصفاء من غشٍّ لحق بقلبك نحو فرد ما, أو زمرة من ناس, أو مواقف فكر, أو قناعة لغير..,
ليوم واحد فقط ابحث فيك عن حقيقتك.. استعد ما ضاع, تمكن مما بقى, تخلص مما طرأ, استعد ما أمكن..
ليكن يومَ تطهيرٍ ..
فأنت في هذا الوقت مثقل بكل متغيّرات البشر, ذو أعباء هي ليست تخصك وحدك آثارها، غير أنك منجرف في تيارها, متأثر بغبارها, متوقّد لمتابعتها, منخرط في غوغائها, بعيد كثيراً عن العصفور المارق, والفراشة العابرة, وعبق الزهر الصامت, وبسمة المحب في الجوار, ودفء القريب المنسي, وعن نفسك ذاتها..
ليوم واحد فقط امنح نفسك فرصة القرب منها..
تعرّف عليها من جديد..
تحدّث معها بصدق..
كاشفها بحقيقة كانت غائبة عنك..
لتعرف أنك في منأى عن نفسك ..
في تيه عن ذاتك ..
في شتات عن :
قريبك فجفوتما, ابنك فتباعدتما, فكرك فتضاربتما, يقينك فنزلت بينكما غمامة.. ونصبت بينكما دكنها..
لتكون في انفصال عن واقعك، فتذمّرت..
وعن رزقك فتبرّمتَ..
وعن جمالك فبهتَّ..
وعن حاجاتك فتخبطتَّ..
فليوم واحد كن لنفسك وسط هذا الهذر, والهدر..
انتشلها من غوغاء تعم لتعيد صفواً تسرب من بين ضلوعك..,
ورضا باعد بينك وبينه استغراق طويل في واقع مليء بما يفتنك..!!
ومن ثم، تمعَّن فيما ستحصده من تطهير في اليوم الواحد فقط ..!!
و.... راجع نفسك..!!