بدا واضحاً وجلياً في الأعوام الأخيرة من القرن الحالي أن هنالك تطوراً خطيراً في صناعة الأسلحة بكل صنوفها وأشكالها، وأن هنالك ما هو اخطر من الأسلحة النووية، فقد أظهرت التحريات لمراكز الدراسات الاستراتيجية أن (وسائط الحرب الإلكترونية) أصبحت اكبر خطرا وأشد تهديدا للجيوش من أسلحة التدمير الشامل - والأسلحة النووية على وجه التحديد, إذ إن احتمال اللجوء إلى الخيار النووي سيبقى احتمالاً واهياً, وقد فقد هذا الخيار حتى قدرته على الردع, مما حمل الدولتين العظميين على السعي المشترك لتخفيض مخزونها من الأسلحة الدفينة, في حين تتابع الدولتان العظميان, وسائر الدول الصناعية الكبرى بذل الجهود المكثفة والمركزة لتطوير وسائط الحرب الإلكترونية. إذ ما فائدة الأعداد الكبيرة من الطائرات, أو الارتال الضخمة من الدبابات, إذا لم تتمكن من الوصول إلى ساحة المعركة, أو إذا وقفت في وسط ساحة القتال وهي صماء عمياء وعاجزة عن استخدام أسلحتها؟ إن أربعين طائرة إلكترونية تستطيع القيام بما لا تستطيعه أربعمائة طائرة مقاتلة - قاذفة - هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى فإن تكاليف أو ثمن الطائرة الإلكترونية يعادل ثلث ثمن الطائرة المقاتلة - القاذفة - تقريباً.
وبذلك يستطيع جيش مجهز بوسائط الحرب الإلكترونية ضمان ظروف الحسم في الصراع المسلح ولا سيما في حروب قصيرة الأمد كالحرب العربية - الإسرائيلية، بأفضل مما يستطيعه جيش أو حتى مجموعة من الجيوش تفتقر لوسائط الحرب الإلكترونية. وقد يكون من السهل على الدول الكبيرة المحافظة بصورة مستمرة على تفوقها في وسائط الحرب الإلكترونية, وكذلك بعض الدول الأخرى مثل ألمانيا الشرقية التي تستبدل كل سنتين وسائط الحرب الإلكترونية الثابتة, وتستبدل كل ثلاث سنوات طائرات الحرب الإلكترونية, فهل تستطيع الدول الصغرى الإمساك بمثل هذا التفوق بصورة ثابتة؟
لقد تطورت وسائط القتال بصورة عامة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, فظهر جيل أو جيلان على الأكثر من الدبابات والمركبات المدرعة والطائرات والمدفعية, لكن أعدادا كبيرة من هذه الوسائط بقيت في حوزة الجيوش, وتستخدم بصورة جيدة بعد إدخال بعض التعديلات عليها أحياناً.. بينما يعتبر جيل وسائط الحرب الإلكترونية الذي ظهر في مطلع الثمانينيات والتسعينات جيلا مختلفا جداً، فكيف يمكن لجيوش الدول الصغرى اللحاق بسباق امتلاك وسائط الحرب الإلكترونية؟ وإذا ما أمكن لها تحقيق مثل هذا الهدف فهل تستطيع الاحتفاظ به؟
إسرائيل ربما تبقى الدولة الوحيدة في العالم من بين الدول الصغرى التي تستطيع بلوغ ذلك.. ليس بشطارتها لكن بفضل الدعم الأمريكي لا أكثر ولا أقل وذلك هو المأزق الحقيقي الذي يجابهه التسلح الغربي. إذ لم تعد المسألة مسألة تشكيل فرق مدرعة ضخمة, ولا تنظيم ألوية كبيرة من الطائرات القاذفة المقاتلة، وإنما مسألة ضمان الظروف المناسبة لاستخدام الوسائل القتالية المتوافرة في ظل القدرة على ابطال الساحات الكهرطيسية لمسارح العمليات، وشل القدرة القتالية للأسلحة المتنوعة بما في ذلك القوات الجوية. وها نحن في عام 2014م نشهد فجوة كبيرة في الأسلحة التقليدية وغير التقليدية حيث يعيش العالم حالياً ثورة هائلة في مجال الأسلحة التقليدية نتيجة التطورات بل والقفزات الكبرى في مجال الإلكترونيات الدقيقة - MICRO ELECTRCNICS, والمستشعرات - SOMSORS, والحاسبات الإلكترونية، والملاحة واستخدام المواد الصناعية المخلقة - COMPOSITE MATERIALS، في بناء هياكل الطائرات والصواريخ وتكنولوجيا المحركات والفضاء والإخفاء والذكاء الصناعي، وتنظر إسرائيل بجدية إلى بقاء التوازن التكنولوجي بينها وبين العرب مرتهنا بدخولها المكثف في هذه التكنولوجيات بحيث يستمر سباق التسلح في المنطقة لصالحها, فالتقدير العسكري الإسرائيلي للقوة العسكرية العربية يقوم على ثلاث نقاط: أولها أن الكم العربي سوف يستمر في التزايد, ومن ثم فإن الفجوة الكمية بالنسبة للقوات المسلحة والطيران والبحرية سوف تستمر وتتزايد بينها, وبين العالم العربي. ثانياً أن العالم العربي قد نجح في تطوير قواته الدفاعية بشكل كيفي نتيجة القدرة على استيراد أسلحة متقدمة من الكتلتين الشرقية والغربية, حيث نجحت الدول العربية إلى حد ما في الحصول على طائرات وصواريخ ودبابات وأجهزة للدفاع الجوي تختلف جذرياً عما كانت تحصل عليه الجيوش العربية خلال الستينات والسبعينات. وثالثهما انه نتيجة سوق الدول العربية الواسعة ووجود النفط والثروة البترولية, فإن العرب سوف يكون بمقدورهم إغراء أو «ابتزاز» الدول الغربية والشرقية للحصول على التكنولوجيا المتقدمة, وعلى العرب إذا ما أرادوا مجابهة إسرائيل مجابهة حقيقية أن يسارعوا بقدر الإمكان إلى امتلاك التكنولوجيا الحديثة في مجال الحروب، وان يكون إعداد الجيوش مختلف عما سبق بحيث يعتمد تأهيل الأفراد تأهيلا علميا لائقا، والبحث عن الأجيال التي تتعامل مع التكنولوجيا الحديثووسائل الحرب الإلكترونية، ومحو الأمية من الجيوش بالتدريب المثالي ومحاولة الاكتفاء الذاتي الذي نجحت فيه إسرائيل بشكل فعال في السنوات الأخيرة، واستفادت كثيراً من اتفاقيات التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة في مجالات الحرب الإلكترونية والذخيرة المتطورة والصواريخ المضادة والرؤوس الباحثة عن الأهداف بالأشعة تحت الحمراء للصواريخ والقنابل جو - أرض - المطورة.. ثم إن على العالم العربي أن يلتفت لأمور مستقبله ويطفئ لهيب التهور والضياع والتشرذم والتصادم مع الأشقاء، فنحن أمة لديها مخزون كبير من الإمكانات المادية والبشرية والثروات ولكننا فرطنا فيها ولم نوظفها في مكانها الصحيح، وأصبح شغلنا الشاغل التصادم والتشاحن والتخوين وظهور عصر الأحزاب والتحزبات وفوضى التظاهرات وتدمير الممتلكات والبنى التحتية, وهي فرصة كبيرة للأعداء لنشر سمومهم في هذه الأوقات، وصرف نظر الأمة عن بناء مستقبلها ومستقبل أجيالها إلى هدم ما بنته سابقاً ثم الضياع في متاهات التناقضات وفتح الباب على مصراعيه للإرهاب بكل أشكاله وصراعاته، وتسهيل الطريق أمام الأطماع الأجنبية للنيل من الوطن العربي بأكمله وجعله ألعوبة في أيدي الأعداء وهذا ما لن يكون - بإذن الله - وعسى العالم العربي أن يحاول سد الفجوة التقليدية بينه وبين إسرائيل ومن يجاريها عن طريق شراء الأسلحة المتقدمة، مع المحاولات الجادة لتصنيع السلاح واستيعاب التكنولوجيا المتقدمة.. وتدريب وتعليم الجيل الجديد على أسلوب وطرق ووسائل الحروب الإلكترونية ووسائطها الحديثة وكسر الطوق، فليس من الصعب علينا تحطيم القيد الإلكتروني الجديد إذا كان هنالك همة وعزيمة وإصرار.