هل هو سر عظيم.. أم صدمة لواقع محزن..ومحزن جدا..أم أننا لازلنا في حالة نكران جديدة وطويلة لواقع متكرر وغير سار، يستدعي المواجهة قبل المناصحة..؟!
أقول قولي هذا بعد أن حسم تنظيم «داعش» الجدل حول ظروف مقتل الطبيب السعودي في العراق، ببثه صوراً من أصل تسجيل مرئي يثبت تنفيذه عملية انتحارية في حاجز تابع لقوة البيشمركة في محافظة كركوك.يوم 11 يوليو الماضي، قبل أن يتبين أن قائدها ليس إلا «طبيباً سعودياً»، يدعى فيصل بن شامان العنزي.
وطوال الفترة الماضية حاولت أسرته وكل المصدومين تخفيف سيناريو نهاية الطبيب السعودي إلى انتحاري داعشي!، إعلان داعش عن فيلم يصدر قريباً يتضمن سيناريو العملية الانتحارية، ألغى كل الروايات التى حاولت تلطيف المشهد، وأبقى على الرواية الصادمة للبعض، فالطبيب، الذي ترك علاج الناس، انتقل إلى القتل، وقتل وأصاب 27 إنساناً..!
جريدة الشرق الاوسط نقلت عن خبير في شؤون الجماعات الجهادية، إن من بين 200 حساب نشط لأعضاء ومؤيدين للتنظيمات المسلحة المتطرفة عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، برز طبيبان سعوديان موجودان في سوريا بدعوى تقديم الخدمات الطبية تحت لواء «جبهة النصرة».
الحقيقة أن المثير هنا جانبان، الاول يتعلق بنوعية التأهيل للانتحاري السعودي الذي وصل للطب، والثاني، هو اختيار طبيعة التنظيم، وكيف يتم تحويل الطبيب المفترض إلى انتحاري، إلى قنبلة بشرية تنهي روحه وتزهق أرواح غيره.؟
أي خطورة متخيلة لهذا النهج المتطرف الذي حين يصل إلى العقل فإنه ينسف تماما كل خلفية أخلاقية وعلمية محتملة، في ظل احتقانات شخصية، ممزوجة بأحلام ظلت وستبقى تدغدغ مشاعركثيرين بعودة الخلافة الاسلامية في صيغها البائدة.
إنه الإشكال الاساسي يتكرر باستمرار، عبر استرجاع التفوق التاريخي ،وتغذية الحلم بعودة النصرة والعزة للامة عبر تفجير الأجساد وتفخيخ المؤخرات.. ونشر فكر الكراهية الدموي..كما هي خدعة الحال دائما!
كل الصور القادمة من الدول - الإمارات- «الاسلامية» المصطنعة الحديثة في الشام واليمن، كل صور الدم والنحر الحيوانية هنا وهناك تؤكد مجددا الخلل الرهيب والخطير، والذي سيبقى مهددا للبشرية دون استثناء.
قد تبدأ أحيانا بعض المبادرات بنوايا حسنة -ربما- لكنها لا تلبث أن تتحول إلى كوارث وأخطارطويلة ومستمرة، لعلنا نتذكر جيدا نفير أطباء خليجيين وسعوديين تحت غطاء تقديم الخدمات الطبية والإغاثة الإنسانية،خلال الجهاد السوفياتي.لكنهم سرعان ما يتخلون عن الفكرة الانسانية للإغاثة إلى الفكرة العنيفة للقتال تحت غطاء الجهاد.. والذي لم يكن أبدا من اركان الاسلام الخمسة، حتى وإن قدمته الجماعات التكفيرية والجهادية عليها جميعا.
ومنذ الثمانينيات الميلادية بدأ تدشين حملة تجنيد الأطباء إبان الحرب السوفياتية في أفغانستان، بعد أن التحق بصفوفه عددكبير من الأطباء الذين ذهبوا للإغاثة، وانتهت بانخراط الكثير منهم في القتال المباشر والانضمام إلى صفوف تنظيمات عدة انتهت للقاعدة.بعد أن فقدوا توازنهم من مرحلة التعاطف الانساني إلى التأثر الكامل بالمحيط الجديد للارهابيين والقتلة تحت راية الجهاد!