تحدّث الكثيرون عن نضوب النفط من عدمه، والحقيقة أنه لا يوجد جواب حاسم ومؤكد، وقبل الخوض في هذا الموضوع، يجب أن نعلم أنه ربما لن يكون نضوب النفط من عدمه ذا أهمية.
المخزون النفطي المكتشف للمملكة العربية السعودية 266 مليار برميل، وهذا يمثل 18% من المخزون المكتشف في العالم، و22% من مخزون دول «أوبك». يسمى هذا المخزون بـ «النفط التقليدي» والذي يمكن استخراجه بالتقنيات الموجودة حالياً والموثوق بها. وهناك أنواع أخرى كثيرة من النفط (كالنفط الصخري والرملي) وغيرها، وبكميات كبيرة أيضاً، بعضها تم تطوير تقنيات لاستخراجه ولكن لازالت مكلفة والعمل قائم على تطويرها لخفض تكلفة الاستخراج . منذ أن تم اكتشاف النفط في المملكة قبل 81 عاما ، تم استخراج وإنتاج 132 مليار برميل، أي استخرج نصف المتبقي. وحافظت المملكة على مستوى المخزون النفطي عند 262 مليار برميل تقريباً خلال الـ 15 عاماً الماضية، وكانت ولا زالت المملكة تستهدف اكتشافات تعادل ما تستخرجه سنوياً، أي أن العام الماضي استخرجت المملكة 3.6 مليار برميل وتستهدف اكتشاف نفس الكمية هذه السنة وتقف عند ذلك، فتكلفة الاكتشاف عالية، وليس هناك أسباب تستدعي رفع نسبة المخزون حالياً. هناك دول مثل فينزويلا كان مخزونها النفطي 172 مليار برميل في 2008 وارتفع إلى 298 مليار برميل في 2012 وأصبحت الدولة الأكبر مخزوناً للنفط في العالم. وهذا دليل على أن اكتشاف النفط في تزايد وسهل، ولو ذكرنا اكتشاف الولايات المتحدة وكندا للنفط غير تقليدي (النفط الصخري والرملي) مثلاً، سنعلم جيداً أن النفط ممكن زيادته بوتيرة أكثر من استهلاكه. وفي المقابل هناك استهلاك للنفط متزايد، فزيادة عدد السكان في العالم وزيادة عدد السيارات والمركبات بأنواعها هو العامل الأكبر للطلب على النفط ، ففي دراسة حديثة لعدد السيارات في العالم ومستقبلها والذي تم علمه من قبل عدة مصادر متخصصة بهذا الشأن (مؤسسة النقد الدولية، الأمم المتحدة، بنك جولد مانسكاكس، إيرنست أند ينوغ للاستشارات)، فإن عدد السيارات في العالم سيزداد من 760 مليون سيارة عام 2010 إلى 1046 مليون سيارة عام 2030، وإلى 1473 عام 2030، إلى 1700 مليون سيارة عام 2040. وتأتي معظم الزيادة من الصين والهند والولايات المتحدة. وبناءً على هذه الدراسات والتوقعات، وإضافة إلى دراسات أخرى، توقعت دراسات أخرى بأن تكون الزيادة في الطلب على النفط فقط 25%، (89 مليون برميل يومياً عام 2014) إلى (110 مليون برميل يومياً عام 2040)، مع أن عدد السيارات متوقع أن يزداد إلى أكثر من الضعف، بينما ستعتمد بقية السيارات على الغازوالكهرباء وغالبيتها على وقود الهجين (بنزين وكهرباء) بالتناوب ، حيث يستخدم البنزين للقيادة حتى تشحن بطارية الكهرباء من الحركة ثم تتحول عملية الوقود إلى الكهرباء ويتم التبادل بينهما; وهذا الوقود (بنزين وديزل) محسوب ضمن الاستهلاك المتوقع الـ110 مليون برميل يوميا. فبالإضافة إلى عامل «بدائل الوقود» فيما سبق ذكره، هناك عامل آخر لرفع الكفاءة في الوقود وهو أكثر تأثيراً وهو عملية «تحسن أداء محرك» السيارات; ففي العقد الماضي تم تطوير محركات السيارات حتى أصبح السيارات الأكثر استخداماً اقتصادية في استهلاك الوقود، ففي تجربة سابقة للولايات المتحدة عام 2009، تم تبديل 690 ألف سيارة متدنية الكفاءة في استهلاك الوقود بسيارات جديدة عالية الكفاءة من خلال برنامج كلف وزارة المواصلات الأمريكية 3 مليارات دولار (cash for clunkers)، البرنامج يدعم المواطن بمبلغ يصل إلى (20 ألف ريال) يضاف إلى قيمة السيارة المستبدلة ويتحمل المواطن بقية تكلفة السيارة الجديدة، وقد أدى هذا التغيير إلى تحسين كفاءة الوقود 58%، حيث كان معدل استهلاك الوقود للسيارات القديمة (14.89 لتر لكل 100 كم)، وبعد تبديل السيارات ارتفعت الكفاءة إلى استهلاك (9.45 لتر لكل 100 كم)، أي أن الوقود الذي كانت تحتاجه السيارة لتقطع مسافة 100 كم في السيارة القديمة، أصبح كافياً لقطع مسافة 158 كم بالسيارة المستبدلة، وخفض كمية الوقود بـ 36%. توجه صناعات السيارات مستقبلاً سيكون معتمدا على السيارات ذات الكفاءة العالية في استهلاك الوقود، خصوصاً السيارات الصغيرة جداً (شبيهة بالدبابات) داخل شوارع الصين والهند وبقية البلدان النامية والناشئة (بنجلاديش، باكستان، إندونيسيا، إفريقيا، وأمريكا الجنوبية) حيث التزايد الكبير المتوقع; وكذلك في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا والخليج العربي، ستكون المحركات ذات كفاءة عالية ولكن ليست بسيارات صغيرة جداً. وفي شأن آخر قد يكون ذا أهمية أكثر من نضوب النفط، ألا وهو «قيمة النفط». فقد تتطور التكنولوجيا وتحدث بدائل سريعة للنفط، وقد تزداد الاكتشافات والإنتاج . وفي ظل الأوضاع الحالية، لو كانت الأوضاع السياسية والجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط (إيران والعراق وليبيا) وأيضا في روسيا هادئة لفاض تقريبا أكثر من 3 إلى 4 مليون برميل إنتاج يومياً، ويكون هذا الفائض (5% من الإنتاج العالمي) تأثيره على الأسعار قد يصل إلى أكثر من 20% وتسقر الأسعار عند 80 دولاراً، وهو الحد الأدنى بعد البدء باستخراج النفط الصخري، ما لم يكن هناك انهيار اقتصادي كبير إما للدولار أو للسوق الصيني أو حتى كساد اقتصادي لإحدى الدول الكبيرة. بعد دخول النفط الصخري، سيضمن بقاء أسعار النفط مرتفعة فوق الـ80 دولاراً، وهذا من صالح الدول التي تستخرج وتصدر النفط التقليدي (دول الأوبك)، ولكن هذا سيرفع تكاليف استخراج النفط وإنتاجه، حيث مقدمو تلك الخدمات (شركات خدمات النفط العملاقة) والتي تعمل في معظم دول أوبك، يعلمون أن تكلفة البيع أكثر بفارق كبير من تكلفة الاكتشاف والاستخراج، فسترتفع قيمة الإنتاج. أخيراً، قد تكون مسألة نضوب النفط ليست بالسهل معرفتها لكثرة المتغيرات، فالدول المصدرة لا تستثمر كثيراً بالاكتشافات مبكراً لإبقاء المستقبل غامضاً وأيضاً لتكلفة تلك الاستثمارات، وفي المقابل تطوير التقنيات والتكنولوجيا في الدولة المتقدمة تعمل على قدم وساق لتقليل الاعتماد على النفط المستورد. والسؤال المهم «هل ستبقى الدول المتقدمة وصاحبة التقدم التكنولوجي رهينة النفط المستورد لعقود أخرى»؟