أكَّد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامَّة للسياحة والآثار أن تاريخ المملكة لم يشهد عناية بالتراث الوطني كما يحدث الآن، مبينًا أن البعدين السياسي والاقتصادي للتراث الحضاري الوطني يرعاهما خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عبر برنامج يحمل اسمه -أيَّده الله- للعناية بالتراث الحضاري ضمن ميزانية مقدرة بأكثر من 5 مليارات ريال.
وقال الأمير سلطان بن سلمان في الجزء الثاني من الحوار الخاص الذي أجرته معه «الجزيرة»: إن هدف ذلك إحداث نقلة في العناية بالتراث الحضاري الوطني والتعريف بتاريخ بلادنا إلى جانب البعد الديني والإسلامي الذي نفتخر به، ونحن لا نعمل على تغيير الرأي بل تغيير المفاهيم وإدخال من لديهم وجهات نظر ليعملوا معنا بشكل مباشر.
وفيما يتعلّق بضم مواقع تراثية جديدة والرفع بها إلى منظمة اليونسكو لفت إلى البدء في تقديم الملفات الجديدة (ضمن قائمة المواقع العشرة التي وافق عليها مجلس الوزراء مؤخرًا) في عام 2016م بواقع ملفين كل عام. وقال: هذا يعطينا وقتًا لتهيئة هذه المواقع وسوف نعلن بعد الصيف في أول اجتماع لمجلس إدارة الهيئة عن القائمة، لنبدأ في تجهيز ملفاتها وهي عملية معقدة وطويلة.. فإلى الحوار:
متاحف خاصة بجدة التاريخية
* هناك أشخاص مهتمون بالتراث لديهم آثار وتحف ومقتنيات كثيرة ولا يستطيعون عرضها فهل من الممكن أن يَتمَّ إعطاؤهم مواقع أو بيوتاً في جدة التاريخية لعرض ما لديهم؟
- بالنسبة لمنح مواقع للمتاحف الخاصَّة، فقد باشرت الهيئة منذ وقت مبكر العناية بالمتاحف الخاصَّة حيث رعت هذه المتاحف ودعمت ملاكها، وسوف نسلم قريبًا الأشخاص الذين لديهم متاحف خاصة ولا يملكون موقعًا سنعطيهم مواقع في القرى التراثية خصصت لهذا الغرض لعرض ما لديهم، وسيكون في جدة التاريخية ضمن المباني التي طالبنا بتملكها ونزع ملكياتها لتكون مرحبة بالزوار.
الدفع بمواقع تراثية إضافية حسب جاهزيتها
* هل هناك مواقع أثرية في المملكة يمكن تسجيلها في اليونسكو؟
- صدر قرار مجلس الوزراء الموقر العام الماضي بتسجيل موقع جبه والشويمس في حائل وهو موقع رسوم صخرية وقدم الملف وتم قبوله من ناحية المظهر والمعلومات وسوف يتم إن شاء الله خلال صيف عام 2015 م والمملكة تعد موقعًا عالميًّا للفنون والرسومات الصخر ية وزاخرة بهذا النوع من الفنون الصخرية التاريخية منذ آلاف السنين.
وأيْضًا وحسب التعديل الأخير في نظام لجنة التراث العالمي التابع لليونسكو أصبح بمقدور كل دولة تقديم ملفين لموقعين للدراية والتصويت (بينما كان النظام السابق يقتصر على ملف واحد لكل دولة)، وقد صدر من مجلس الوزراء الموقر قبل عدَّة أسابيع قرار سبق للهيئة الرفع به وهو تسمية عشرة مواقع تراثية إضافية تدفع بها الهيئة حسب جاهزية هذه المواقع إلى اليونسكو بواقع موقعين في كلِّ عام، ونتوقع إن شاء الله أن نبدأ في تقديم الملفات الجديدة (ضمن قائمة المواقع العشرة التي وافق عليها مجلس الوزراء مؤخرًا) في عام 2016م بواقع ملفين كل عام وهذا يعطينا وقتًا لتهيئة هذه المواقع وسوف نعلن بعد الصيف في أول اجتماع لمجلس إدارة الهيئة عن القائمة، لنبدأ في تجهيز ملفاتها وهي عملية معقدة وطويلة.
العمل كفريق واحد لتسجيل المواقع التراثية
* ماذا ستقدم الهيئة العامَّة للسياحة لجدة التاريخية؟
- نبارك لأنفسنا عودة الحياة والترميم وبدأ النشاط في جدة التاريخية وهو المنجز الحقيقي بإذن الله، وشخصيًّا بدأت في هذا المجال قبل إنشاء هيئة السياحة، وقد تشرفت بالعمل مع المغفور لهما الأمير ماجد بن عبد العزيز والأمير عبد المجيد بن عبد العزيز اللذين توليا في فترات متلاحقة إمارة منطقة مكة المكرمة، وتوالت الأعمال بعد ذلك مع سمو أمير منطقة مكة سابقًا الأمير خالد الفيصل، ثمَّ أخواني الأمير مشعل بن عبد الله والأمير مشعل بن ماجد، والواقع أن ضعف بعض الإدارات المحليَّة في فترات سابقة لأعمال المتابعة والإهمال من بعض الملاك شكلا العبء الأكبر على الجهات الحكوميَّة التي لم تدير الملف بشكل صحيح، وقد استطعنا كمجموعة أن نعمل على هذا الملف مدعومًا بقرار من مجلس الوزراء الموقر بتسجيل عدد من المواقع في المملكة ضمن قائمة التراث العالمي، ولم يكن مقبولاً أن تكون المملكة خالية من مواقع التراث العالمي وكان هذا الأمر تحديًا بالنسبة لهيئة السياحة والآثار، ونحن نعمل بشراكة مع البلديات والجهات ذات العلاقة، ونحن نعمل على ملف مسارات جدة التاريخية في الاستثمار ومعالجة قضايا الملاك والأوقاف والأربطة والبنية التحتية والاستثمارات الخاصَّة فيما يتعلّق بالفنادق والمطاعم، وكل ما له علاقة بتطوير هذا الموقع العالمي ليكون مكانًا تأوي إليه الناس لتجد الخدمة الرائدة.
خطة شاملة لتطوير المنطقة المحيطة بجدة التاريخية
* يعاني الزائر للمنطقة التاريخية من ندرة مواقف السيارات، فكيف يتم إيجاد مواقف كافية للزوار؟
- بالنسبة لمواقف السيَّارات هناك خطة شاملة لتطوير المنطقة المحيطة وفي مقدمتها بحيرة الأربعين وربط جدة التاريخية بالبحر وتطوير المنطقة المحيطة بالبحر لتتوافق مع جدة التاريخية عمرانيًا، وهذا المشروع سيستمر لمدة خمس سنوات على الأقل.
العناية بمواقع التاريخ الإسلامي
* سمعنا أنكم في مرحلة نقاش مع هيئة كبار العلماء حول «السياحة الدينية» هل حُسم الأمر، أم مازال على طاولة النقاش؟
- حقيقة نحن في المملكة لا نسميها بالسياحة الدينيَّة وقد خاطبنا منظمة السياحة العالميَّة بأن المملكة لا تسمي القادمين للزيارة والحج والعمرة سياحًا، وإننا لا نتعامل مع هذه الشعائر الدينيَّة على أنها سياحيَّة دينية، حيث إننا في إحصاءاتنا ودراساتنا نصنفهم ضمن الزوار، بل هم ضيوف الرحمن الذين يعتز ونتقرب إلى الله بخدمتهم، وهيئة السياحة ضمن منظومة الدَّولة التي تبذل جلّ عنايتها لخدمة ورعاية ضيوف الرحمن، وتقدم خدمة ضمن منظومة مؤسسات الدَّولة وتُعدُّ ذلك واجبًا وشرفًا لهذه البلد وأهله، ولا يوجد في هذا الأمر تداخل مع هيئة كبار العلماء الأفاضل حفظهم الله والموضوع غير مطروح للنقاش، ونحن نعتني بمواقع التاريخ الإسلامي بالتعاون مع هيئة تطوير مكة المكرمة وهيئة تطوير المدينة المنورة وضمن أوامر سامية ومحددة تتعلّق بمواقع التاريخ الإسلامي، وأيْضًا نعتني بالمساجد التاريخية وترميمها ضمن اتفاقية موقعة بين الهيئة ووزارة الشؤون الإسلاميَّة.
* مع المشروعات الضخمة التي تنفذها الحكومة السعوديَّة لتطوير الحرمين الشريفين، ظهرت أصوات غاضبة تتهم الشركات المنفذة بهدم بعض الآثار التاريخية في مناطق التطوير، هل تابعتم الأمر؟ وهل وضعتم حلولاً لذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية؟
- حقيقة تقوم رئاسة شؤون الحرمين بالعمل بشكل وثيق مع الشركات التي تعمل في هذا المجال والهيئة تتعاون مع رئاسة شؤون الحرمين ودليل ذلك الآثار التي جمعتها في عملية إزالة المباني في المرحلة الأولى حيث جمعت نحو 17 ألف قطعة متحفية من الحفريات وتم تنظيمها وتسجيلها بشكل كامل مع رئاسة الحرمين في عدد من المواقع وكتبت لهيئة تطوير مكة للمحافظة على المواقع ذات العلاقة بالتاريخ الإسلامي حسب توجيهات المقام السامي الكريم، وأيْضًا تعمل رئاسة شؤون الحرمين على توثيق بعض الأجزاء التي تم نقلها لصالح توسعة المطاف والمواقع الأخرى.
تنظيم متكامل للاستراحات ومحطات الطرق
* محطات الطرق غير لائقة ببلد بحجم المملكة. خصوصًا تلك الرابضة على الطريق بين الحرمين الشريفين، أليس هناك حل جذري عاجل لها؟
- هذه العبارة سبق أن قلت عبارة مشابهة لها وهي «لا يعقل ولا يجوز أن تكون استراحات الطرق لدينا بهذا المستوى الذي لا يليق ببلد الحرمين الشريفين وشعب المملكة» ولكن الحمد لله عملنا منذ وقت طويل بالتضامن مع عدد من الجهات انطلاقًا من الاستراتيجية الوطنيَّة للتنمية السياحيَّة التي صدرت عام 1425هـ للعمل على تفعيل أحد المسارات المهمة خصوصًا في ظلِّ وجود نحو 86 في المئة يستخدمون السيَّارات للتنقل بين المناطق السياحيَّة في المملكة، حيث صدرت القرارات بعمل تنظيم متكامل للاستراحات ومحطات الطرق وتم توزيع الأدوار والمسؤوليات حيث تقوم الجهات المعنية بالتعاون مع الهيئة ومنها وزارة الشؤون البلدية وتم إصدار اللوائح المنظمة وتم الشهر الماضي تأهيل ثلاث شركات عالميَّة هي: «بترومين وساسكو وأدونك» للانطلاق في تهيئة هذه المرافق، وهيئة السياحة لم تنتظر صدور هذه القرارات التي أخذت وقتًا طويلاً.
بل بادرت منذ نحو 5 سنوات بالعمل مع شركة ساسكو التي تقدمت للهيئة مبدية رغبتها في تطوير خدمات الطرق، وقناعتها بطروحات الهيئة المعلنة لعامة الناس عن ضرورة تطوير استراحات الطرق، فتم العمل مع الشركة على تغيير منظومة الشركة بالكامل وتطويرها وضخ رأسمال جديد قارب 450 مليون ريال وقد قامت بعملية كبيرة وتم العمل معهم على الشكل الجديد والمحتوى واقترحنا لهم التعاون مع الشركات المتميزة في تقديم الأطعمة والمأكولات والخدمات بدلاً من تقديمها من قبلهم وأصبح مسارًا ناجحًا لشركة ساسكو ومثال ذلك محطة ساسكو طريق مطار الرياض التي أصبحت نقطة جذب لمستخدمي الطريق، بل وبعض سكان الرياض الذين يجدون فيها الخدمة المتكاملة، وأصبح لديها أكثر من 40 موقعًا تم تشغليها في المملكة وساهمت في فتح آفاق وظيفية للسعوديين قبل صدور النظام الجديد وهذه تعد قصة نجاح مشرفة.
فريق مشترك لتهيئة المواقع الأثرية
* منطقة الفاو التراثية التاريخية حفلت بجهود كبيرة لاكتشافها وتم الإعلان عنها إلا أنها وفجأة توقف الحديث عنها وكأن هناك أمرًا ما حدث!!، يا ترى ما سبب تغييبها بالرغم من أهميتها التاريخية؟ ولماذا لا تعمل الهيئة على استغلالها سياحيًّا وثقافيًّا؟
- الفاو تم اكتشافها قبل أكثر من 30 عامًا، في عمليات تنقيب مهنية لعلماء سعوديين من جامعة الملك سعود، والآثار موجودة الآن في متحف في جامعة الملك سعود التي نرى أنه غير مفتوح بالشكل المناسب للجمهور، والهيئة قامت بتسجيل جميع الآثار المكتشفة في الفاو بصفتها أملاكًا للدولة، وتم الاتفاق مع جامعة الملك سعود على إعارة القطع بشكل رسمي للجامعة وفق النظام، شريطة تطوير المتحف وفتحه للزوار، والاستفادة من القطع المكتشفة في المتاحف الإقليميَّة (حسب كل منطقة تم الاكتشاف فيها).
إضافة إلى أن هناك معروضات مهمة من مكتشفات الفاو موجودة في المتحف الوطني، وضمن معروضات طرق التجارة الذي يطوف العالم وسيكون في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة في شهر أكتوبر المقبل، كما وقعنا اتفاقية مع جامعة الملك سعود برعاية أمير منطقة الرياض سابقًا الأمير خالد بن بندر بتكلفة تزيد عن 40 مليون ريال، حيث بدأ فريق العمل وبإشراف الدكتور عبد الرحمن الأنصاري وهو أول من أشرف على أعمال التنقيب في الفاو قبل 30 سنة وقد قال الأنصاري في كلمته أثناء حفل التوقيع: إنني أعدت له الحياة عندما اخترته ليكون رئيسًا للفريق.
ونفذنا عملية تسوير للموقع بـ16 مليونًا وسيبدأ فريق مشترك بين جامعة الملك سعود وهيئة السياحة والآثار في أعمال التهيئة، وقد التزمت الجامعة بفتح المكان للزوار بشكل كامل وتهيئته ليكون جزءًا من منظومة السياحة في وادي الداوسر ومحمية بني معارض في نجران القريبة منها التي يجري إنشاء متنزه صحراوي فيها لتكون منظومة متكاملة للمنطقة، وهناك رؤية واضحة لهذه المواقع الأثرية، ولدينا الآن أكثر من 30 فريق تنقيب يعملون ضمن اتفاقيات حديثة تلزم هؤلاء الباحثين بحفظ حق المملكة في المستكشفات وعمليات النشر والتدريب للمواطنين السعوديين.
فريق جديد لإدارة المتحف الوطني
* شارع الأمير فيصل بن فهد بجدة يُعدُّ تحفة فنيَّة ومعلمًا حضاريًّا وأتمنَّى اختيار الموقع لإقامة هذا المتحف المهم جدًا، وأعتقد لو تحصلت هيئة السياحة على موقع على امتداد هذا الشارع فهو رائع ليصبح متحفًا للفنون لكل زائر لمدينة جدة وشاهدًا على مدى التطوّر وسيكون مرآة عاكسة لاهتمام المملكة بالجانب السياحي؟
- لدينا فريق جديد لإدارة المتحف الوطني، وكذلك بقية المتاحف، في المدينة المنورة لديّ حلم منذ عشرات السنين (بدأته قبل وجود الهيئة العامَّة للسياحة والآثار) بإنشاء واحة القرآن الكريم، وخادم الحرمين الشريفين تبنى هذه الفكرة ووافق عليها، وتم دعوة عدد من بيوت الخبرة العالميَّة لتقديم تصاميم وقد تم تقييم هذه التصاميم وتحكيمها ويتم الآن تقييم هذه المشروعات، وقد تم تحديد أرض الموقع، ليكون واحة القرآن الكريم ليكون أول عمل من نوعه، وهذا سينطلق ضمن المتاحف الخاصَّة بالتاريخ الإسلامي، والحجاز، ومكة المكرمة والمدينة المنورة، والطائف، وبقية مناطق المملكة الأخرى. ونحن نعمل بانتظام مع أمانة جدة، وأمينها ومسؤوليها يعملون باحترافية، ولدينا عمل كبير معهم فيما يتعلّق الوجهات السياحيَّة التي تحتاجها جدة والمناطق القريبة منها، لتتميز جدة وتزداد تميزًا.
طرح بعض الجزر للاستثمار بشكل جزئي
* لماذا لا تتحرك هيئة السياحة لتطوير الجزر وتهيئتها للسياح.. مع العلم أنه يوجد في السعوديَّة ما يقارب 1285 جزيرة؟
- حقيقة المملكة وسواحلها وشواطئها زاخرة بالجزر الجميلة وقد تم العمل ضمن الإستراتيجية الوطنيَّة للتنمية السياحيَّة المقرة من الدَّولة عام 1425 هـ، وإستراتيجية تطوير البحر الأحمر التي أقرها مجلس الوزراء قبل ما يقارب العامين وتم طرح بعض الجزر للاستثمار بشكل جزئي، حيث تحددت الآن مسارات تنظيمية لعملية الاستثمار في الجزر من خلال لجنة حكومية مشكلة لذلك ونتوقع قريبًا تفعيل الاستثمار على الشواطئ وتكون الجزر القريبة جزءًا من الاستثمار لتحقيق التكامل الاقتصادي مع الحرص على المحافظة على الطّبيعة المكانية ونوعية الحياة الفطرية.
والمشروع الكبير هو مشروع جزر فرسان واستغرق ذلك أربع سنوات لإنهاء محضر متكامل للاستثمار في حزر فرسان وتم توقيعه ورفع للدولة قبل شهرين، وقبل ذلك عملت الهيئة مع هيئة الطيران المدني ووزارة الدفاع لتخصيص منطقة لإنشاء مطار فرسان وجعل ذلك ضمن منظومة الاستثمار.
* متاحف الجامعات في غالبية الوقت تكون مغلقة ولا يستفيد منها الطلاب. لماذا لا تتدخل الهيئة لإلزام الجامعات بعدم إغلاق متاحفها أمام الطلاب والطالبات؟
- تكلمت عن متحف جامعة الملك سعود ولكن نتطلَّع إلى منظومة من المتاحف المتخصصة في مؤسسة النقد السعودي والخطوط الجويَّة السعوديَّة لإنشاء متحف يتعلّق بتاريخ الشركة والطيران التجاري في المملكة، وأيْضًا هناك القوات الجويَّة في الرياض أنشأت متحفًا للطيران نتوقع أن يتم التوسع فيه، وأيْضًا بعض الجامعات الوطنيَّة تعمل معنا ضمن اتفاقية لإنشاء متاحف متخصصة مع دخول جامعة حائل وجامعة جازان وجامعات أخرى في عملية البحث الأثري والاستكشافات ونتمنى أن يكون ذلك قريبًا.
نعمل بأسلوب مهني متدرج فيما يتعلّق بالعقوبات
* ما سبب ضعف العقوبات التي تفرض على المنشآت السياحيَّة المخالفة؟
- نحن نعمل ضمن نظام السياحة بشكل عام وصدر النظام الجديد قبل شهرين من مجلس الوزراء وننتظر أن نبلغ بهذا النظام من الدَّولة بشكل رسمي لإعلانه للعامة والبدء في تطبيقه بعد مرور المدة النظامية بعد إعلانه.
والنظام الجديد يعطي مجالاً أوسع للعقوبات وضبط العلاقة بين المستهلك والمستثمر ونحن نعمل في المرحلة الأولى على العقوبات التي تُطبّق بحذر شديد ومساحة واسعة من إعطاء فرصة في المرحلة الأولى حتَّى يتعوَّدوا على النظام الجديد وضبط منتجاتهم.
ولكن مع مرور الوقت خلال العامين القادمين سيكون هناك عمق أكثر لهذه الأنظمة وتنفيذها من ناحية العقوبات والغرامات، ونحن نؤمل مع صدور الجمعيات التجاريَّة المهنية ومن ضمنها جمعية الإيواء السياحي أن تعمل لتطوير المنتجات وتطوير المعروض والجودة لمرافق الإيواء السياحي ليقل عدد المخالفات وهذا هو الأسلوب الذي تنتهجه الهيئة وهو أسلوب مهني متدرج.
الشرطة السياحية.. الفكرة والمسار
* هناك مطالبات بضرورة إنشاء شرطة للسياحة.. هل تدعمون هذه المطالبة أم لديكم رأي آخر؟
- أول من تطرَّق لفكرة الشرطة السياحيَّة هو صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز -رحمه الله- وقد قمنا بعدة دراسات مكثفة مع وزارة الداخليَّة وقدمنا تقارير موسعة حول هذا النشاط والمسار، كما قمنا بتدريب 29 ألف فرد عن طريق كلية الملك فهد الأمنيَّة لتطوير قدرات مراكز الشرطة والمرور ونعمل حاليًّا مع وزارة الداخليَّة لتطوير منظومة حماية الآثار. ونحن نعول على الخدمات المقدمة من القطاع الخاص التي لها ارتباط بخدمات وزارة الداخليَّة في تخفيف العبء وحماية المنشآت التي لا تحمل صفة الحساسية الأمنيَّة بتنسيق شامل مع سمو أخي وزير الداخليَّة الأمير محمد بن نايف الذي يعمل بشكل مكثف على ملفات الأمن جميعها ومنها الأمن في مواقع الآثار والمواقع السياحيَّة. كما نعول كثيرًا على حملات التوعية للمواطنين بأهمية المواقع الأثرية ومناطق السياحة ليكونوا خط الحماية الأول.
* هنالك مواقع تراثية وإرث كبير في مملكتنا الحبيبة وبعضه تناولته الأيادي بالسرقة والتخريب، وهذه كنوز للبلد وثروات لماذا لا يكون هنالك تعاون أمني لتحريز وحفظ مثل هذه المناطق؟
- ذكرت في إجابتي السابقة أن هناك تنسيقًا كبيرًا مع وزارة الداخليَّة وإمارات المناطق على تكثيف حملات الحماية للمواقع الأثرية، ويتَضمَّن «مشروع الملك عبد الله للعناية بالتراث الحضاري» مسارًا رئيسًا لحماية المواقع، ويشمل تسوير المواقع ومنظومة مراقبة وحماية، بالتوازي مع التوسع في حملة التوعية التي أطلقتها الهيئة لرفع الحس الوطني للمواطنين خصوصًا سكان المناطق المحيطة بها، وعموم المواطنين لتجنب العبث بالثروات الوطنيَّة التي تمثلها هذه المواقع، كما أطلقت الهيئة حملة لاستعادة الآثار التي في أيدي المواطنين وتسجيلها وعرضها في المتاحف بعد توثيقها ودراستها..
هدفنا إحداث نقلة في العناية بالتراث الوطني
* تزخر المملكة بكم هائل من الآثار والمواقع التاريخية، إلا أن استغلالها سياحيًّا للزائرين من الداخل والخارج لا يزال أقل بكثير مما يطمح الجميع إليه. وربما يكون لرأي البعض من الناحية الدينيَّة دور في تأخر استغلالها. فهل للهيئة خطة في هذا الجانب، ومحاولة لإقناع المعترضين (إن وجدوا)؟
- نحن نقوم اليوم ضمن مشروعات مُتعدِّدة مع شركائنا، وقد قادت الهيئة حملة لاستعادة تقدير التراث الوطني وتهيئته للاستثمار، و»مشروع الملك عبد الله للعناية بالتراث الحضاري» يتوَّج هذا الجهد، ومن خلاله سيتم تقديم عروض واضحة لما قامت به الهيئة من جهد كبير في هذا المجال، ولكن المهم أن نذكر أن موقع الهيئة على الإنترنت www.scta.gov.sa يمكن الاطِّلاع عليه لمعرفة جهد الهيئة في هذا المجال، وقد صدرت الطبعة الأولى من مذكراتي «سيرة في التراث العمراني» وهي متوفرة عبر الرابط الإلكتروني: http://bit.ly/1l1G6Ne،
(كما يمكن توفير نسخة مطبوعة لمن أرادها من خلال مدير عام الإعلام وعلاقات الشركاء في الهيئة ماجد الشدي) وسنوزع الطبعة الرابعة في ملتقى عسير للتراث العمراني المقرر في شهر ديسمبر القادم، ولدينا كتاب عن مبادرات الهيئة ومسارات المعلومات يمكن الاطِّلاع عليه عبر الرابط http://bit.ly/1o0HGPr.
ولم يشهد أيّ وقت مضى في تاريخ المملكة عناية بالتراث الوطني كما يحدث الآن، والعناية بالآثار والتنقيب، عمليات إنشاء المتاحف، القرى التراثية، برامج التمويل، تطوير قدرات المقاولين والعاملين في هذا المجال وربطها بالبرامج الأخرى، هدف ذلك إحداث نقلة في العناية بالتراث الحضاري الوطني والتعريف بتاريخ بلادنا كبعد أساس مكون لبلادنا إلى جانب البعد الديني والإسلامي الذي نفتخر به كأساس، والبعدين السياسي والاقتصادي، وهذا البعد الجديد يرعاه خادم الحرمين الشريفين عبر برنامج يحمل اسمه -أيَّده الله- للعناية بالتراث الحضاري ضمن ميزانية مقدرة بأكثر من 5 مليارات ريال.
وأطمئن الجميع أنه ليس هناك ما يسمى بالمعترضين، أما من يبدي رأيه فنحن نرحب به، نحن لا نعمل على تغيير الرأي بل تغيير المفاهيم وإدخال من لديهم وجهات نظر ليعملوا معنا بشكل مباشر، وأتمنَّى أن يطلع الجميع على محاضرات رئيس الهيئة ومنها ما قدمه رئيسها في جامعة أكسفورد في مؤتمر الجزيرة الخضراء عبر الرابط: http:// bit.ly/Uszdxw، وقد وضعنا النقاط على الحروف فيما يتعلّق بنظرتنا لبلادنا وتاريخها وتراثها وقدرتها ومقوِّماتها، والمملكة ذات حضارة مُتعدِّدة الطبقات عبر التاريخ وليست حديثة عهد بالنعمة كما يُتوقَّع البعض، والإسلام أتى لبلاد حضارة ولم يأت أرضاً مفرغة من الحضارات وأتى ليتوَّج هذه الحضارات العظيمة بحضارة الإسلام العظيمة.
* في السابق نجحت هيئة السياحة في إيجاد «تأشيرة سائح « وهي خطوة نوعية ومتقدِّمة جدًا واعتقد أن عدد الدول التي أدرجت في هذا الجانب تجاوزت 50 دولة من أوروبا وأمريكا، لكن هذه التأشيرة تم إيقافها أعتقد 2009 «أو قبل هذا التاريخ» بهدف تنظيمها وفق ما أعلن حينذاك لكن حتَّى هذه اللحظة لم تتم إعادتها وهذا عائق كبير سمو الأمير وخصوصًا أن أيّ صديق أو زميل تتحدث له عن وطنك وتتمني أن يزوره لا يمكن أن يحضر له إلا للحج أو العمل، فهل ستعاد التأشيرة السياحيَّة أم أنها خارج حسابات الهيئة، وهل ستتسع دائرتها لتشمل دولاً أخرى؟
- التأشيرات السياحيَّة تم إيقافها في عام 2009 بسبب زيادة عدد السياح المحليين والضغط الكبير على المرافق وتأخر بعض الجهات في إنجاز الخطة التنمية السياحيَّة التي أقرّت في عام 2005م لعدة أسباب، ونتوقع في السنوات الخمس ما يناسب نوعية القادمين إليها بغرض السياحة ومن مجموعات مميزة، وهناك توسع كبير في السياحة الداخليَّة واستهدافنا لها، وسيكون مركزًا على قطاع الأسر وذوات الدخول المتوسطة والأعلى عبر مسارات منظمة ومخدومة، وسيبدأ برنامج سياحة ما بعد العمرة لـ65 دولة وسيتم البدء في ذلك بعد الحج.