غرف التجارة والصناعة تعد أحد أبرز الكيانات الاقتصادية التي تثير الجدل حول هويتها، هل هي كيان حكومي أم قطاع خاص؟.. البعض يرغب في تشخيصها ككيان شبه حكومي، فالعاملون بالغرف التجارية الصناعية غير محسوبين على القطاع خاص، ولا القطاع الحكومي في نفس الوقت، وخلال السنوات الأخيرة أثيرت غرف التجارة والصناعة جدلاً واسعاً حول أدوارها وصلاحياتها في مجتمع رجال الأعمال، وأيضاً في المجتمع المحلي عموماً، وقد ازداد هذا الجدل عندما تضخمت بعض الغرف، وخاصة بالمدن الرئيسية (الرياض وجدة والشرقية)، فقد تحولت من غرف بأعداد منتسبين لا تتجاوز عشرين أو ثلاثين ألفاً إلى أكثر من 110 آلاف منتسب مثلما الحال في غرفة الرياض حالياً.
وكانت ميزانية كل غرفة من الغرف الثلاث لا تتجاوز 20 أو 30 مليون ريال سنوياً بحد أقصى، وحالياً تتجاوز ميزانية بعضها 200 أو 300 مليون ريال سنوياً، بل أنها تدير استثمارات وأعمال اقتصادية بحجم يفوق هذه القيمة بثلاث أو أربع مرات، وغالبية الغرف الكبرى أصبحت تمتلك أذرعاً استثمارية أو تسويقية، تتمثل في مراكز ضخمة للمعارض والمؤتمرات، يصل حجم المال المستثمر فيها بحد أدنى 200 مليون ريال، وتستهدف الربح، هذا فضلاً عن مراكز المنتجات الوطنية ومراكز التدريب والبحوث والاستثمار وغيرها.
إذن غرف التجارة والصناعة خلال الفترة الماضية تضخمت وظهرت لها أذرع هامة ومفيدة للاقتصاد الوطني والمجتمع المحلي، فالغرف أخذت على عاتقها إنشاء وإقامة الكيانات الاقتصادية والتجارية الإستراتيجية التي لا يستطيع القطاع الخاص تأسيسها، إذن، هي كيان غير ربحي ولا يستهدف تحقيق الإيراد، ولكنه يستهدف خدمة مصالح القطاع الخاص بما يخدم مصالح الاقتصاد الوطني.
في ضوء هذه التطورات الكبيرة التي أحرزتها الغرف، ازداد الاهتمام بها لكي تصبح أحد أهم الكيانات على الساحة المحلية، كونها تخدم تجمعاً كبيراً للتجار ورجال الأعمال، ويتم استخدامها لدعم أنشطة خيرية ومجتمعية هامة، مثل رعاية السجناء وأصدقاء المرضى والجمعيات الخيرية والأوقاف وغيرها.
الآن تتجه وزارة التجارة والصناعة إلى إعادة ترتيب نظام الغرف التجارية، من خلال عدة نقاط رئيسية ينظر إليها البعض بإيجابية، في مقابل نظرة سلبية للبعض الآخر، من أهمها ما يلي:
أولاً: التوجه لتعيين نصف عدد الأعضاء بدلاً من الثلث، فالبعض يرى تعيين النصف وضعاً إيجابياً لأنه يحد من المنافسة غير العادلة بين التجار والصناع عند الانتخاب، فالانتخاب يُمكن فقط لرجال الأعمال أصحاب العلاقات التجارية والصناعية في مؤسساتهم، دون النظر إلى شخصهم وإمكانياتهم، فالنجاح سيكون حليفاً للكبار الذين يمتلكون مؤسسات ذات علاقات ممتدة مع مؤسسات أخرى بالسوق المحلي، ولن ينصف رجال أعمال آخرين مهما كانت قدراتهم الإيجابية. إلا أن البعض الآخر يصف تعيين نصف مجالس الإدارات بأنه مبالغة للتدخل الحكومي في شئون القطاع الخاص، بما يجعل الغرف أشبه بامتداد لوزارة التجارة والصناعة، رغم أن الغرف تعتبر الصوت والراعي للمصالح تجاه الجهات الحكومية نفسها، حيث من خلالها يتم تجميع المشكلات والصعاب التي تواجه المنتسبين وتعرضها على الجهات الحكومية، وتسعى لأن تكون الداعم الرئيس للتجار والصناع عند وجود مشكلات مرتبطة بالجهات رسمية.
ثانياً: إعادة الغرف الصغيرة التي أنشئت بالمحافظات إلى الغرف الرئيسية في المناطق، بحيث يصبح هناك عدد غرف موازي لعدد المناطق، وهذا الوضع الجديد سيعيد ترتيب الغرف لكي تكون متسقة في أحجامها بدلاً من التباين الشديد في مواردها وإمكانياتها حالياً. إلا إن هذا التجميع سيحد من الخدمات الكبيرة والمناسبة التي تقدمها الغرف الصغيرة لمنتسبيها في مدنهم الصغيرة، فغرفة مثل غرفة الرياض الآن لديها نحو 26 فرعاً، تمتد عبر العديد من محافظات منطقة الرياض، إلا إنه ينبغي أن يكون واضحاً أن جل خدمات الغرفة يترسخ في مدينة الرياض بشكل أو بآخر، والآن سوف تعود غرف صغيرة إليها، بالطبع خدمات الغرفة لن تكون على نفس مستوى الجودة في جميع المحافظات. أما المشكلة الرئيسية التي يتوقع أن يثيرها تجميع الغرف حسب المناطق، فهي أن رجال الأعمال المنتخبين كأعضاء مجلس إدارة غالباً ما ينتمون للمدن الرئيسية للمنطقة، مثل مدينة الرياض بمنطقة الرياض، وهذه المدن تضم كبريات المنشآت غالباً، وبالتالي، فإن جهودهم ستتركز على تنمية وحل مشكلات هذه المنشآت بالمدن الرئيسية. فالوضع الحالي (28 غرفة) يُمكن الغرف الصغيرة من تنمية وإنعاش قطاع الأعمال الخاص بالمدن الصغيرة، وهو الأمر الذي سيكون مفقوداً عند تجميعها في غرف كبيرة.
ثالثاً: اقتصار عضوية الغرف على دورتين فقط، حيث يرى البعض أن هذا التنظيم بالذات إيجابيا لأنه يتيح الفرصة لعدم سيطرة رجال أعمال معينين على مجالس الإدارات على الدوام. إلا إن هذا التنظيم يعاب عليه أنه سيمنع استمرارية كفاءات وخبرات ثقيلة من رجال الأعمال، يمتلكون الخبرة الكبيرة ولسنوات طويلة في إدارة وتنظيم الغرف. فالغرف أحوج ما تكون لهذه الكفاءات حتى وإن استمروا لدورات طويلة، بل أن هذا التنظيم الجديد يشتت الغرف ويُمكن أعضاء لا يمتلكون الخبرة والكفاءة من النفاذ إلى عضوية هذه المجالس الهامة والإستراتيجية والتي تتخذ قرارات ربما يكون لها تأثير على كل منشآت القطاع الخاص.
حالياً، الجدل يدور داخل أروقة المجتمع المحلي حول أن هذا التوجه يرسخ الصفة الحكومية على غرف التجارة والصناعة وحوكمتها كجهة حكومية، سواء من خلال حوكمة أو مراقبة أداء مجالس الإدارات أومتابعة الاجتماعات وبنود الصرف فيها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه وبشدة هو كيف يمكن محاسبة أعضاء مجالس الإدارات وهم لا يتقاضون أجوراً أو مكافآت عن عضويتهم، بل هم متطوعون غالباً ما ينفقون من مالهم الخاص.. وهذه التنظيمات الجديدة، أليست مقيدة لمرونة الغرف في إدارة شئونها..؟.