فاصلة:
((الكتابة هي رسم الصوت))
- حكمة فرنسية-
الكثير من الناس يعتقد أن الكتابة في الصحف أو المجلات عمل سهل وهي بالفعل كذلك.
الأمر يبدو سهلا حين تخطر ببالك فكرة فتمسك بالقلم أو تفتح جهازك الحاسوبي وتعبر عما تريد ثم تشعر بالرضى لأن التعبير بحد ذاته عملية تنفيس عن المشاعر.
والأمر سهل حينما تكون متكئا على عملك الذي يوفر لك الحياة الكريمة لك ولأسرتك والكتابة تجيء متنفسا لهواية تحب ممارستها والمعروف أن ممارسة الهواية تخلق البهجة.
لكن لا يبدو الأمر كذلك عندما تحترف الكتابة حيث هي مصدر رزقك فأنت تكتب لأنك ملتزم أدبيا مع المطبوعة التي اتفقت معها.
سواء كانت شهيتك مفتوحة للكتابة أو لديك من الأشغال ما يجعل ذهنك مشوشا.
ولا يبدو الأمر سهلا لأنك محترف أمضى سنوات في هذه الحرفة فأنت تعرف بالطبع الخطوط الحمراء وتعرف أن مقالك الذي ستكتب سيجيزه الرقيب أم لا وهذا يعني أن تستبعد بعض الأفكار التي تود الكتابة عنها بشهية كبرى بأخرى تحت ضغط عامل الوقت.
ولا يبدو الأمر سهلا حين تكون الكتابة قد صنعت لك صورة ذهنية أنت المسؤول عن تعبيرها عن ذاتك الصحيحة.
عندما تحترف الكتابة عليك أن تقاوم إحساسك بالواجب تجاه مقالتك التي تكتبها، وحين تبدأ بالكتابة حاول أن تستحضر الكتابة كما تتذكر حبيبتك التي طالما احتوتك وأغدقت عليك من حنانها فالكتابة تعطي الكاتب ما لا يستطيع أي إنسان الحصول عليه، حيث يوجد قارئ ربما احتفظ بمقالتك واستطاعت كلماتك أن تغير حياته، ويوجد قارئ أيضا يحتفظ لك بمشاعر طيبة وودودة رغم أنه لم يلتق بك يوما، لتفاجأ برسالة بريدية منه ذات يوم بأنه يتذكرك بكل الخير.
وهذا فيما يبدو لي أجمل ما في احتراف مهنة لا تستطيع أن تتكئ عليها إن أردت الأمان المادي لكنك تستطيع أن تعيش مشاعر الحب والشغف من خلال ممارستك لها يوميا، ولذلك يبدو الانقطاع عن الكتابة مثل هجر الحبيبة انفعالي لكنه ما يلبث أن يخالطه الحنين إلى الرجوع إليها.