حكومة خادم الحرمين الشريفين لم تتوان عن القيام بدورها ومسئوليتها تجاه صحة المواطنين ومجانيتها .. فقد حرصت منذ زمن طويل على انفاق مبالغ طائلة من الناتج المحلي الإجمالي على صحة المواطنين والمقيمين .. حتى أنه أصبح أحد أهم بنود الانفاق الحكومي، فلم تقل نسبة الاعتمادات المالية المخصصة لوزارة الصحة بالنسبة لإجمالي ميزانية الدولة عن نسبة 6.8% في عام 1433هـ، حتى وصل نصيب الفرد من الميزانية السنوية لوزارة الصحة بالدولار الأمريكي إلى حوالي 430 دولارا، وهي قيمة تزيد كثيرا عن مستواها في كثير من الدول الأخرى، والتي يصل في بعضها إلى أقل من 100 دولار للفرد.
فمنذ عام 2007م وحتى نهاية عام 2012م خصصت الدولة اعتمادات مالية ضخمة وهائلة لوزارة الصحة وصلت في عام 2012م إلى ما يناهز 60 مليار ريال، هذه الاعتمادات أصبحت ثابتة ومستقرة وتنال الأولوية في التخصيص لدى حكومة خادم الحرمين الشريفين، إيفاء بدورها في الحفاظ على الأمن الصحي للمواطنين والمقيمين.
ويفترض أن تلعب وزارة الصحة الدور الرئيسي والجوهري في تقديم خدمات الرعاية الصحية .. ونسعى فيما يلي لاستقراء الأرقام والمؤشرات حول الأداء الصحي جراء انفاق هذه المليارات من الريالات .. فالتوقعات تشير إلى افتراض طفرة صحية ونقلة في الأداء الصحي لكل السكان بالمملكة .. فكيف هو الأداء الصحي؟.
توزيع اعتمادات وزارة الصحة على الأبواب
من الأمور الملفتة التي يوضحها الكتاب الاحصائي السنوي لوزارة الصحة أنه في عام 2012م أنفقت وزارة الصحة حوالي 22.6 مليار ريال على الباب الأول، وهو الباب المختص بالرواتب أو بأجور العنصر البشري، أي أن نصف الاعتمادات المالية تم توجيهها للانفاق على رواتب ومكافآت الأطباء والتمريض وما شابههم، وهي نسبة مرتفعة للغاية، فماذا تبقى للانفاق على المستشفيات والعمليات والخدمات العلاجية والدواء ؟ بما يوضح أن هناك مبالغة في الصرف على رواتب الأطباء والعمالة الطبية الأخرى .. وهو ما يستدعي مراقبة أعداد القوى العاملة بوزارة الصحة.
تطور القوى العاملة بوزارة الصحة
تستخدم وزارة الصحة أعداداً كبيرة من غير السعوديين منذ فترات طويلة لتغطية العجز في الكفاءات الطبية الوطنية.. لذلك، فإن هذه العمالة من غير السعوديين لم تتطور كثيرا لأن أعدادها مرتفعة منذ فترة .. أما عدد العمالة السعودية، فقد تطور بشكل كبير من 52.9 ألف عامل في 1429هـ إلى 97.8 ألف عامل في عام 1433هـ .. وعلى المستوى الإجمالي ارتفع عدد القوى العاملة بوزارة الصحة من 110.4 ألف عامل في 1429هـ إلى 166.6 ألف عامل في عام2012م .. وهذه الزيادة الكبيرة في القوى العاملة يفترض أن تقابلها زيادة في عدد المستشفيات وعدد الأسرة وهي التي ستمكن وزارة الصحة من زيادة مستوى وكمية خدماتها الصحية للمواطنين والمقيمين.
تطور عدد المستشفيات بوزارة الصحة
لقد جاء تطور عدد المستشفيات ضعيفا وبطيئا للغاية بوزارة الصحة، حيث ارتفع من 231 مستشفى في 1429هـ إلى 244 مستشفى في 1430هـ ثم إلى 249 مستشفى في عام 1431هـ ثم إلى 251 مستشفى في 1432هـ ثم إلى 259 مستشفى في عام 1433هـ.. أي أنه خلال خمس سنوات ازداد عدد المستشفيات بنحو 28 مستشفى فقط، وهو عدد ضئيل مقارنة بزيادة عدد السكان بالمملكة.
تطور عدد أسرة المستشفيات بوزارة الصحة
لقد جاء تطور أسرة المستشفيات أيضا ضعيفا وبطيئا للغاية بوزارة الصحة، حيث ارتفع من 31.7 ألف سرير في 1429هـ إلى 33.3 ألف سرير في 1430هـ ثم إلى 34.4 ألف سرير في عام 1431هـ ثم إلى 34.5 ألف سرير في 1432هـ ثم إلى 35.8 ألف سرير في عام 1433هـ.. أي أنه خلال خمس سنوات ازداد عدد أسرة المستشفيات بنحو 4108 أسرة فقط، وهو عدد ضئيل ايضا مقارنة بزيادة عدد السكان بالمملكة.
نمو عدد الأسرة إلى عدد السكان بالمملكة
الأمر المستغرب أن المملكة تسجل نقصانا في عدد الأسرة إلى عدد السكان منذ عام 2005م، والحكومة تضخ هذه المليارات من الريالات بهدف رفع هذا المعدل الدولي للأسرة .. الآن عدد السكان يسجل معدل نمو أعلى كثيرا وبشكل واضح من معدل نمو الأسرة .. لذلك، فإن المحصلة النهائية لاعتمادات مالية من الدولة في ست سنوات ماضية هي تراجع.
المؤشر الدولي للأسرّة إلى عدد السكان
إن الفترة الماضية تكاد تمثل فقدان وخسائر في انفاق هذه المليارات التي لم تجن المملكة ثمار واضحة لها، وخاصة أن الأداء الصحي لولا النمو في المنظومة الصحية للقطاع الخاص ربما حدثت فجوة واضحة في تقديم الخدمات الصحية. إن الأمل الآن معقود على الهيكلة المرتقبة لوزارة الصحة لتحسين مظلة الخدمات الصحية التي يقدمها المرفق الحكومي الصحي الرئيس بالمملكة .. إن التطلعات تترقب ماذا سيحدث في هيكلة هذه التركة الثقيلة .. هل بالإمكان تحسين تخصيص ما يناهز 60 مليار ريال سنويا لكي تنتج خدمات صحية وليس مكافآت ورواتب وتكاليف سفر وما شابهها.