امرأة المواقف الصعبة!

امرأة نادرة، تألقت طيبةً وبهاءً وسمواً، مثل درر اللآلئ في ذروة النبوع، خريطة رحم، ما من أحد مثلها يتسع صدره كما صدرها، نائمة عند أمها تراقب قوادمها والرأس، وقتها لها أفق، تمور بالوفاء لأمها المقعدة منذ أمد طويل كشلال ضوء.. امرأة تشعل روحها وجداً لأمها ورغبة حانية لها، وسط حياة تتشح بالسكون العاطفي، وتبعث على القنوط المفرط المفضي إلى الانكسار الأليم.. هي لأمها همس وشمس وحقل ورد وحنين، رائعة لها كروعة النسيم، كالشذى المرصوص في القوارير، ولون قزح، واتجاه المطر، تحاول أن تزيح عنها وخز المرض الذي أوجعها طويلاً، وأن تحفر في وجه أمها إضاءة تشع بجمال الحياة وبريق الدهشة.. كل يوم تمنحها ماء الحياة، وتراتيل الدعاء، وكل ما من شأنه أن يجيء لها بالفرح.. تحاول أن تجعل الصبح برعماً يتفتح في وجهها بهجة وسروراً، والمساء توتاً، لا يفصلها عن الالتصاق بأمها سوى النوم المتقطع القليل.. تهز لها أغصان الحياة، وتحثها على مقاومة المرض الذي أنهكها طويلاً.. صوتها ينطق مغرداً لها بالحب والطهارة وصدق النوايا؛ ليعانق مسامعها المتعبة.. تخوض تجربة رحم بعمل كبير، تنوء بثقله أجساد الرجال.. تعبت كثيراً، لكنها تحاملت كثيراً.

قنديل لعتمة صارت لها، قيثارة تحت النخل، سلال عبير، تجيء لأمها كالضوء من قعر المرايا، قمر عند نافذة، يسبق قلبها خطاها؛ ليستحم في قلب أمها؛ كي ترفع اليأس عنها، وتزهر حياتها بالتوهج.. جسدها دون أمها يذبل من سهاد، تبتكر لراحتها التوهج، مثل زنبقة، ووردة حمراء، ونهر وكوخ بردي وقصب جميل.. تسهر طويلاً، ولا تعرف معنى الرقاد.

أم رؤوم لأمها، لا يهمها شيء سوى أمها، تغلق فمها مع الآخرين، وتتكلم معها، عن حكايا ومواسم وحنين ومعابر ودروب.. أحداقها متعبة، لكنها تتسع لأمها كسعة سماء البيد، تلملم من تعبها خيوطاً؛ لتصنع لها غيماً يبهج رؤاها، ويجيئها بمطر وطير يمام، تحدثها عن القناديل العتيقة، والمئذنة المجاورة، وصوت المؤذن، وتكبير المصلين، وأحواض الزهور، وكيف تحلق أسراب الطيور، والجمر حين يجيء الشتاء، وكيف يزرع الفلاح الجوري، ويسقيه بماء السماء.. ترتل لها الآيات، وتسهر معها حد التعب.. تظل معها حتى يجيء الفجر العميق.. هي لا تعرف أن تثرثر كما يفعل العابرون، لكنها تضم إلى صدرها جسد أمها الواهن الحزين.. تنام الخلائق كلها ولا تنام.