في أحد الأعوام وتحديداً في شهر رمضان المبارك كنت أستعد لإتمام الطهارة لأداء صلاة العشاء والتراويح مع جماعة المسجد وعند بدء الوضوء وبدلاً من أن أريق الماء وإذا بي أفاجأ بنزوله مصحوباً باللون الأحمر القاني، والأدهى من هذا نزوله من الجهتين. استدارت بي الدنيا خاصة عندما رجوت الله أن يقف تدفق هذه الدماء حتى يتسنى لي أداء الصلاة جماعة لكي لا يضيع علي أداؤها في بيت الله، ولكن هيهات واستمرت بالتدفق وكدت أن أفقد وعيي. بقيت على هذه الحال ونزول الدماء لم يتوقف ولكنه خف كثيراً فأكملت طهارتي ووضعت شيئاً من المحارم النظيفة في ما لو نزل قطرات وأديت فرضي في المنزل. رتبت موعداً مع أحد أشهر أطباء المسالك في مدينة الرياض وبعدما بثثته ما أشكو منه وبعد الكشف المعتاد علي وتحسسه لبعض المواضع طلب مني عمل بعض التحاليل والعودة مرة أخرى.
أجريت التحاليل المطلوبة وعدت إليه مرة أخرى فطلب مني عمل أشعة مقطعية للاطمئنان. تم ذلك وعاودت الاتصال به فقال لي لعل من الأفضل وأنا بهذه السن التي تتجاوز الخمسين أن أعمل قسطرة للاطمئنان على وضع البروستات فأذعنت لما أراد وتم ذلك رغم ما صاحب هذا الأمر من خوف وخجل وأخبرني أن حجم البروستات كبير ولكن هذا الأمر عادي لمن هم في مثل سني وأن هذا التضخم يبدو حميداً وصرف لي العلاجات اللازمة. أما في ما يتعلق بنزول الدم من الدبر فنصحني بزيارة طبيب آخر ليتحقق من حقيقة الأمر. تم ذلك، وقال لي هذا الطبيب: إن لدي بواسير، وأنه يستحسن البدء بالأدوية مع جلسات ماء دافئ جداً مضافاً إليه بعض الملح، وذلك كل يوم ولمدة شهر أو أكثر ووضع أمبولات في فتحة الشرج ثم مراجعته.
لعل الدواء يغني عن إجراء العملية. فعلت ذلك وعاودت الاتصال به في الموعد المحدد وبعد التحسس والكشف بالمنظار قال لي تحسن الوضع ولكن لابد من الاستمرار في العلاج لمدة شهرين آخرين ثم معاودة الزيارة الطبية. فقمت بما طلب وعند الكشف مرة أخرى قال لقد تحسن الوضع كثيراً ولم تعد بحاجة إلى إجراء عملية استئصال للبواسير. حمدت الله على هذا.
عندما جاء رمضان في العام التالي، والحق أقول كنت متوجساً ومتخوفاً من أن يحدث نزف دموي ولكن إرادة الله غالية. ففي نفس التوقيت وعندما بدأت بالوضوء لصلاة العشاء والتراويح تفجرت الدماء من الحالب، وكانت هذه المرة متخثرة وعلى شكل قطع مما زاد من خوفي وقلقي. عاودت الاتصال بطبيب المسالك وقرر تكرار ما تم إجراؤه من سابق إجراءات وبعد إتمام ما طلب فاجأني بقوله إنه بعد عمل كنسلتو طبية مع طبيبة الأشعة ومع مدير المختبر ومع المختصين الطبيين ومع وجود كريات دم حمراء لا تعد ولا تحصى تأكد من وجود ورم بحجم البرتقالة حسب وصفه وقوله في كيس الكلية وأنه يرى الاستعجال باستئصاله واستئصال الكلية ومتعلقاتها. دارت بي الدنيا لهول وقع الأمر وبهذه الصراحة والمكاشفة فاستعنت بالله وحدة الشافي المعافى وأنه هو وحده مقدر الأقدار والمتصرف في شئون خلقه فاستجمعت أمري وذهبت إلى المختصين في مستشفى الملك فيصل التخصصي هذه المنارة الطبية العلمية الشامخة رحم الله الملك فيصل بنظرته البعيدة الثاقبة عندما أمر بإنشاء هذا الصرح الطبي العملاق الذي يعج بالكفاءات الوطنية المبهرة والمخلصة، وأحدهم من قام بعمل كل ما سبق ولكن في مكان آخر. يسر الله لي كل أمر عسير وتمت العملية في وقت قصير وقد كتبت عن ذلك في حينه وشكرت هؤلاء الأطباء النخبويين المخلصين من أبناء هذا الوطن المتفانين في العطاء وها أنا اليوم وبفضل من الله وحده أتمتع بصحة وعافية واسأل الله ديمومتها بحمده وشكره.
أردت من سرد هذه الحادثة العبرة والاعتبار وأخذ الحيطة والاحتياط وعدم الإهمال والاتكال أولاً وآخراً على الله في كل الأمور والأحوال.