وقفت عقارب الساعة عند السابعة والربع صباحاً، فانطلق رنينها الحاد في أرجاء غرفة أحد مساكن الطلاب في الجامعة.
أخذ ياسر يتململ تحت الغطاء الثقيل الذي يجلب النعاس بمجرد النظر إليه.. استيقظ وضرب المنبه بعنف وسحب طرف الغطاء يُخفي رأسه تحته ويأخذ نفساً عميقاً.. يزفره ببطء كأنه يتذوق طعمه.. ويحدث نفسه خمس دقائق فقط ثم أستيقظ.
دخل في نوم عميق وهو يفكر بالمحاضر الذي لا يسمح بدخول أي طالب بعده.. ومع ظلام غرفته.. وبرودة جوها.. وأزيز مكيفها.. لم يشعر إلا والساعة السابعة والنصف، فتنبّه وبسرعة رمى الغطاء جانباً، وتوجه إلى المكيف فأطفأه وأزاح ستارة النافذة وفتحها.. ثم توجه لدورة المياه فاغتسل، وخرج وبيده المنشفة التي رماها في ركن الغرفة.. وأخذ يبحث عن ثوب نظيف بين أكوام الملابس الملقاة في أرجاء الغرفة وعينه على الساعة.
كل الثياب متسخة إلا واحداً به بعض البقع ويحتاج إلى كوي.. أسرع إلى المكواة وشبكها بالكهرباء، وفي الوقت الذي تسخن فيه المكواة وقف أمام المرآة بشعره المنكوش الذي يحتاج إلى حلاقة.
بدأ يزيح ما حوله من ركام الملابس والأوراق والكتب وفناجين القهوة وأكواب الشاي والعلب الفارغة.. فشيء يزيحه برجله وآخر بيده والساعة تشير إلى الثامنة إلا ثلث.. الوقت يداهمه.. والمكواة تزداد حرارة.
وجد المشط فرجّل شعره مسرعاً.. ثم بدأ يكوي ثوبه بعين على المكواة والأخرى على الساعة.
بدأت رائحة تتصاعد.. يا إلهي لقد احترق الثوب.. وسمع صوت جاره وزميله في الكلية يخرج من غرفته فانطلق كرصاصة وفتح بابه، فوجده أمام بابه يقفله نشيطاً مستعداً ليوم حافل.
- صباح الخير يا علي.
- أهلاً ياسر.. صباح النور.. ألن تحضر المحاضرة الأولى؟
- نعم.. ولكن..
- ماذا بك.. مريض؟
- لا لست مريضاً.. فقط لا يوجد لدي ثوب أذهب به للجامعة.
- وأين ثيابك؟
- نسيت أن أغسلها بالأمس.. و..
- وهل أستطيع أن أساعدك؟
- لو أمكن أن تعيرني أحد ثيابك.
سقطت الكتب من يده من شدة الضحك، وقال:
- ماذا؟ لكنه سيكون ضيقاً عليك!
- وماذا أفعل؟ لا خيار آخر لدي.
فتح علي غرفته وأخرج ثوباً نظيفاً أعطاه لياسر.. ثم ذهب إلى الجامعة.. أخذ ياسر الثوب وبدأ يلبسه.. الثوب فعلاً صغير جداً.. نظر إلى نفسه في المرآة.. يكاد الثوب يتمزق.. منظره قبيح.. ماذا يفعل؟
ألقى نظرة على الساعة.. تشير إلى الثامنة إلا عشر دقائق.. لا وقت.. قرر أن يذهب إلى الجامعة بهذا المنظر أفضل من أن يطرده الأستاذ من المحاضرة.. حمل كتبه وأوراقه وخرج مسرعاً.. أغلق الباب ووضع المفتاح في جيبه الذي كاد أن يتمزق عندما وضع يده فيه.. رفع يده إلى رأسه ليعدل وضع غترته.. ولكن.. ولكن.. لا غترة.. ما هذا الصباح الغابر لقد نسيتها.. رجع ولبس الغترة وثبت العقال فوقها كيفما شاء.. وبسرعة البرق انطلق إلى الجامعة وعبر ممراتها وبين مبانيها متجهاً إلى القاعة وهو ينظر إلى ساعة يده.. التي هي أيضاً تسرع وتحاول أن تسابقه لتشير إلى الثامنة قبل وصوله.. لقد تخطت الثامنة وهو لم يصل بعد.. وتجاوزت الخمس دقائق بعد الثامنة وأيضاً لم يصل.. هنا أقبل على القاعة وهو يلهث.. ويحدث نفسه لا يمكن أن يسمح لي المحاضر بالدخول والساعة الثامنة وعشر دقائق.. ولكن لا أسمع صوته وهو يشرح.. عجباً فعادته يبدأ الشرح في وقته تماماً!
وقف على الباب فإذا الطلاب وحدهم بلا محاضر.. التفت إليه الطلاب كأن مهرجاً قد دخل عليهم.. منظره بالثوب الضيق والغترة المكرمشة والعيون الغائرة من آثار النوم فجّر ضحكاً جماعياً أطار الملل.
اكتشف أنه نسي أن المحاضر اعتذر يوم أمس عن محاضرة اليوم.