لعل من الجميل البدء باستحضار تعهد وزارة الشؤون الإسلاميَّة والأوقاف والدعوة والإرشاد، بتجاوز مرحلة « المجاملة، والمحاباة » مع أئمة المساجد، والخطباء الذين يخالفون نهجها، فيما يخص قضايا الأمن الفكري، والإرهاب، عندما أكَّدت أنها في صدد التحقيق مع ما يقارب «100» خطيب جمعة، سيقفون أمام «13» لجنة مختصة في كافة المناطق؛ لتبرير مواقفهم من عدم الالتزام بتعليمات الوزارة، بتخصيص خطبة - الجمعة الماضية -؛ لتجريم أحداث الإرهاب التي شهدتها الوديعة جنوب المملكة في أول جمعة في رمضان.
ومثل هذه الخطوة - في تقديري -، ستسهم - بلا شكَّ - في تطوير الأداء نحو الأفضل، وإكسابه آفاقًا، وأبعادًا مرموقة، وتطلعات حالمة تثير الإعجاب، دون الخروج عن مبدأ الخطبة.
عنصر المجاملة، والمحاباة في العمل الإداري، تمنع من التصحيح، وتقود إلى تكرار الأخطاء، وستصبح شماعة يتم من خلالها القفز على الأنظمة، وستحدث خللاً في الاتساق المطلوب لمعاني الرقي في الأداء؛ ولأننا نعيب هذا الاحتواء في المنهج، فإننا لا نريد أن تكون صفة المجاملة، والمحاباة سببًا في تغليب المفاسد في المنهج على حساب المصالح العامَّة، أو تكريس الضرر في تقييم الوقائع.
من المسلمات التي يجدر بكلِّ خطيب الاتفاق عليها، هو الانفلات من الانغلاق نحو الضمير الجمعي، وهذا يقتضي مخاطبة أولي الألباب بالالتزام بواجبات العمل، والتقيد بالأنظمة المعمول بها، - خصوصًا - في زمن الفتن، وانقلاب الموازين، كون الخطيب نائبًا عمن استنابه بوظيفته، وحتى يكون قادرًا على جذب مختلف أطياف أفراد المجتمع، وطوائفه، والتعبير عن الوجدان الاجتماعي فيه، تتناسب وقدسية المكان، والزمان. فمنبر الجمعة لم يكن - في يوم من الأيام - منفصلاً عن هموم المجتمع، بل هو لقاء مصالح من مختلف قضايا المجتمع العقدية، والفقهية، والسلوكية، والأخلاقيَّة، والتربويَّة.
لا تلام الشؤون الإسلاميَّة على تقصير بعض الخطباء؛ لكنها ستلام - بكلِّ تأكيد - عندما لا تستطيع تقليص الأخطاء، أو حين تغض الطرف دون أن تشير بالبنان إلى موضع الخطأ؛ ولئن كنا أسرفنا في المسايرة، وأفرطنا في المصانعة - في أوقات مضت -، وعددنا ذلك من الكياسة؛ حتَّى أصبحنا لا نرى ناقدًا لخطيب، ولا معترضًا على مخطئ منهم؛ حتَّى وإن كان البعض منهم حاصلاً على أكمل الشهادات، إلا أن القاسم المشترك بين هذه الفئة من الخطباء وهم قلّة فيما أحسب، هو ضيق الأفق، ومحدودية التجربة، والجهل بقواعد الحوار.
وإذا كانت النَّفْس البشرية تميل نحو الثناء بلغة الحق، فإنَّ الإشارة إلى عيوب من يخطئ واجب، إِذْ لا ينبغي أن يوضعا في كفَّة ميزان واحد، وتحقيق تلك المعادلة - حينئذ -، ستجعلنا نلحق بركب الشعوب المتقدمة، التي تسعى إلى تحكيم معايير الكفاءة، والاستقامة، والصدق في الأداء - قولاً وعملاً -.
وعليه فقد أحسنت الشؤون الإسلاميَّة بقرارها الحكيم، فمقام منابر الجمعة أرفع من أن يُجامل فيه، أو يزايد عليه، ثمَّ إن مجابهة الحقائق - ولو كانت مؤلمة - مطلب مشروع، وستضعنا في الموضع الصحيح، وستعرفنا بالموقف الصريح؛ لأن هدف تلك المكاشفة، التقدم إلى الأمام، والسير نحو الكمال.