كان بيننا ينتظر الشهر الفضيل؛ راجيا أن يشهده معنا أعواما عديدة، وأزمنة مديدة، ومباهج أحلامه يرتسم عليها مواسم الفرح - كعادته كل عام -؛ لكنه رحل عن هذه الدنيا دون أن يختار زمن رحيله، أو مكانه، بل لم يكن يملك إيقافها، ولا التراجع عنها؛ لتتوقف عجلات عربة حلمه بمفترق مباغت أعده القدر له، بعد حادث سير أليم.
خلف واقع الحياة الرتيب، وروتين الأيام، تلقيت مكالمة والده المكلوم بفقده؛ ليخبرني أن الله ختم عمر ولده الشاب، حين توقف سائر أعضاء جسده عن أداء وظائفه الفلسيولوجية، ولتصعد روحه إلى بارئها - حيث المستقر -. فكان أن جاء الأجل حاسما لنا موعد الرحيل؛ ولتفلت رياح التساؤلات معلنة وصول أجوبة التفسير، عن صاحب القلب الطاهر، الذي يحمل بذور الخير، وصاحب النفس التواقة إلى الارتقاء الإيماني، والعلمي، والدعوي.
عبدالرحمن بن محمد العثمان، ذاك الشاب الذي لم يضع عمره في إعداد الزاد للدنيا الفانية، بل جعل إعداده للدار الباقية، عندما كانت بضاعة الله معروضة له، فاختار لنفسه طريقا يحمله إلى العيشة الراضية في الجنة - بإذن الله -، فشيعته الجموع، وسارت من وراء جثمانه الطاهر، تلهج ألسنتهم بالدعاء له؛ لأنه أحبها قبل أن تحبه.
ولأنك ودعت الأرض، ومن عليها، وسبقتنا إلى مصير الإنسان، فإن رحيلك سيمثل اشتياقنا إليك، وسيبقى اسمك يقرع ذاكرة محبيك، وسنبكي فيك فضيلتك، ولطفك، وأريحيتك؛ حتى وإن تسبب في النفس الألم، والأسى؛ لكننا سنلتمس الصبر، والرجوع إلى الله - جلّ في علاه -، فكلنا مسافرون في كنف رحمة الله الواسعة.
أكتب عزائي بحبر الوجع، وألم الفقد، وحرارة الرحيل، وقرب جداول البكاء، بأن ينزل الله على والديك، وإخوتك الصبر، والسلوان، وأن يربط على قلوبهم. وأن ينزلك منازل النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقا. وأن يملأ قبرك رضا، ونورا، وفسحة، وسرورا، فقد كان ياربنا مصليا لك، فاثبته على الصراط المستقيم، وكان لكتابك تاليا، وحافظا، فشفعه فيه.