التعليم العالي هو الأساس الذي تنطلق منه الدول نحو صناعة المستقبل ولذلك يتضاعف الاهتمام بهذا الجزء الفعّال ورعاية مخرجاته في أي دولة صناعية. في المملكة العربية السعودية ومنذ إنشاء وزارة التعليم العالي عام 1975م سعت الوزارة إلى بناء قاعدة علمية على المدى البعيد
تكون نواة لنشر المخرجات المعرفية في أرجاء الوطن.
خلال عقدين 1992- 2012 ومع تطور الفكر العلمي أدرك العاملون في وزارة التعليم العالي حاجة المملكة العربية السعودية لمواكبة هذا التطور فعملت على إنشاء عدد من المراكز والوحدات لتحقيق استراتيجية الدولة في شقّها التعليمي عن طريق إنشاء بنية علمية تيسّر نقل المعرفة وتوطينها وتوليدها, بناء المواطن علميا وفكريا وخلق منظومة معرفية بحثية تستند عليها الدولة في اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبل أبناء الوطن.
من أهم هذه المراكز أولا إنشاء المركز الوطني للقياس والتقويم الذي يعتبر مؤشراً على القيمة العلمية للطالب قبل دخوله إلى المرحلة الجامعية, ثانيا الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي التي تهدف إلى تقويم كل مؤسسات وبرامج التعليم بعد الثانوي واعتمادها, وكذلك الالتزام بمتطلبات الجودة للإدارة والهيئة التدريسية، ثالثا وحدة إحصاءات التعليم العالي التي تهدف إلى توفير بيانات دقيقة عن المتغيرات العامة، وكذلك دراسة توجهات أعضاء هيئة التدريس والطلاب والتي تبنى عليها القرارات العلمية, رابعا مراكز التميز البحثي لدعم الإمكانات البحثية في الجامعات الحكومية, خامساً مشروع تطوير الجمعيات العلمية في الجامعات وعددها حوالي 70 جمعية علمية، والغاية من هذه الجمعيات تدارس المختصين لمشكلات تخصصهم والتنسيق فيما بينهم بما يخدم مهنهم, سادسا مشروع نظم المعلومات الجغرافي الذي يهدف إلى ربط المعلومات الجغرافية لمواقع التعليم العالي بباقي المعلومات المكانية والسكانية وغيرها من الأنشطة التجارية, ومن حسن القول الإشارة إلى أن وزير التعليم العالي د. خالد العنقري له باقة بحثية وعلمية فخمة في هذا المجال حيث قدم كتابه أبعاد التنمية العمرانية الشاملة في المملكة العربية السعودية 1989 وبحثه منهج متنام مرحلي لإنشاء نظام معلومات جغرافي في دولة نامية 1993 وغيرها, سابعا مراكز البحوث والدراسات التي ساهمت بشكل واضح في وضع الإطار العام للخطط المستقبلية للتعليم الجامعي.
شكلت المراكز السابقة طفرة تعليمية كان منها على سبيل المثال خمس وعشرون جامعة حكومية وخمس عشرة جامعة أهلية وأربعا وثلاثين كلية أهلية وأربعا وأربعين كلية للمجتمع منتشرة في كل جزء من هذا الوطن.
انعكست مخرجات هذه المراكز بشكل إيجابي على الملحقيات الثقافية السعودية في العالم, فعلى سبيل المثال الملحقية الثقافية السعودية في دولة نيوزلندا والتي تأسست عام 2010م يتنوع دورها في عدد من المجالات التي ساهمت في تشكيل صورة علمية إيجابية عن مخرجات التعليم العالي في السعودية لدى المجتمع الأكاديمي النيوزلندي عن طريق فتح قنوات التواصل مع الجامعات والمراكز العلمية والبحثية في نيوزيلندا وإقامة معارض عامة ومتخصصة والاهتمام بالكراسي العلمية والتنسيق فيما يخص الأساتذة الزائرين للجامعات النيوزيلندية والسعودية.
عزّزت الخلفية العلمية والأكاديمية والإدارية والخبرات الوظيفية للإدارة العليا في الملحقية الثقافية في خلق بيئة اندماجية متكاملة بين الإدارة والعاملين فيها.
اعتمدت هذه البيئة على نقطتين جوهريتين الأولى تسخير طاقات العاملين في الملحقية لتحقيق رؤية وزارة التعليم العالي ضمن الخطط السنوية وثانيا تعزيز مبدأ المشاركة ومبدأ الالتزام ومبدأ تحمل المسؤولية ومبدأ رفع الروح المعنوية.
يشرف الملحق الثقافي د. سطام العتيبي على الاجتماعات الدورية لمديري الإدارات ومراجعة وتقييم التقارير لكل إدارة وكذلك مناقشة المشرفين الدراسيين في كل ما يتعلق بالطلبة المبتعثين, هذا الإشراف المباشر أسفر عن تطوّر ملحوظ في الأداء العام للإدارات من جميع الجوانب التخطيط, التنظيم, التوجيه, الرقابة والقيادة, وتحسّن المخرجات التعليمية النوعية والكمية للطلبة السعوديين, ومن نتاجه أيضا تعزيز دور إدارة الإرشاد النفسي والاجتماعي واهتمامها بالطلاب, تدشين قناة للتواصل مع الطلاب خارج الدوام الرسمي, زيارة دورية لطلاب كل مدينة في نيوزلندا والاجتماع بهم والاستماع إليهم وحل مشاكلهم بشكل فوري, استخدام فن الإدارة الذكية والتي تعتمد على البنية الإلكترونية والمنظومة الرقمية في إنهاء جميع الإجراءات والقضايا الإدارية بأقل جهد وأقصر وقت.