كثُر في الآونة الأخيرة توجه البعض للتحذير من خطر الابتعاث وأنه سياسة تغريبية تهدف إلى زعزعة الإيمان والعقيدة الصحيحة لدى المبتعثين، ثمَّ تحوَّل الأمر إلى تهم صريحة في دين المبتعثين وأخلاقهم والتشكيك في أعراضهم. تلك التهم ليست غريبة ممن أفنى عمره في ملاحقة أخطاء الناس.
يعتقدون أن الفضيلة في التحذير من كل شيء؛ لأن الفضيلة بالنسبة لهم شيء، «يتاجرون بالعقول في سوق الجهل» كما قال المنفلوطي، يكذبون باسم الله ويُقسِمون به في آن واحد.
الحب، الإخاء، الخلق، التكافل، الصداقة، النصيحة بالحسنى، مصطلحات لا قيمة لها إذا كنت مخالفًا لاعتقادهم.. لتوجههم.
أصبح الابتعاث غُصة في حلوقهم، لأنّه أظهر في المبتعثين الإسلام الذي أخفوه على حقيقته من دون تزييف ولا خداع، الإسلام الذي لا يقتصر دوره في مسجد أو دورة علميَّة أو في مظهر جسدي، الإسلام الذي قدّمه المبتعثون للعالم كخلق وأدب وعلم وإصرار ورُقي وبحث وسلم وحوار وحضارة ومنجز وتعاون وحبّ.
علي -رضي الله عنه- ينقل عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قوله: لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حمر النعم، هل يعرف أولئك كم أسلم بسبب أخلاق المبتعثين وحسن تعاملهم مع الغير.
يكفي المبتعثون شرفًا أنهَّم أظهروا للناس حقيقة الإنسان السعودي بإِنسانيته وحُلمِه وكرمه وأخلاقه بعدما لطخته يد الإرهاب، علّموا الغرب معنى الإحسان مقابل الإساءة، مقابلة الشر بالخير.
لا تقتصر المشكلة في فهمكم فقط، بل لعدم قدرتكم على استيعاب الحياة والتحوّل الكبير من حولكم، عدم القدرة على التكيَّف مع التقدم العلمي الذي تجاوزكم، وإدراك أن التغيير سنّة الحياة إن لم تنفض الغبار عنك وتمد يدك له سقطت على قارعة الطريق.
كنّا نعيش يومًا على اختراعات الغرب ومنجزاته العلميَّة والطّبية، واليوم الإنسان السعودي شاركهم وتفوّق عليهم.
أيها الشخص القابع خلف مكتبتك.. هل تعرف ماذا قدّم المبتعثون؟ سأذكر لك بعضًا منها:
اخترع طالبٌ سعوديٌّ مبتعثٌ لنيل درجة الزمالة في جراحة العظام في الولايات المتحدة الأمريكية مسمارًا يعمل على تقليص المدة اللازمة لالتئام الكسور والتقليل من حالات ضعف الالتئام أو انعدامه. مبتعث سعودي يخترع جهاز تحكم يحمي الأطفال من «غزو الفضائيات». مبتعث سعودي يخترع جهازًا يساعد المشلولين والعاجزين. مبتعث سعودي يخترع جهاز «سكانومير» للكشف المبكر عن السرطان. مبتعث سعودي يخترع علاجًا جينيًّا لسرطان الرحم بعد 5 سنوات من البحث. مبتعث سعودي يخترع حذاءً ذكيّا لفاقدي البصر. مبتعث سعودي يخترع جهازًا يمكن المكفوفين من تصفح الإنترنت. أجرى مبتعث سعودي في أستراليا تجربة عملية على غواصة مائية ذكية، وذلك في ثاني إنجاز له بعد ابتكار طائرة «الصقر الأخضر» التي حصلت على عدد من الجوائز محليًّا وعالميًا. تمكّن طالب سعودي مبتعث إلى جامعة هيدرزفيلد بالمملكة المتحدة، من اختراع حسّاسات كهرومغناطيسية لتشخيص وكشف الاضطرابات داخل أنابيب المياه وكذلك الأنابيب البترولية. سعودي يخترع جهازًا لعلاج السرطان بالأشعة. مبتعثة سعودية تحصل على جائزة أفضل بحث في قسم الكيمياء الحيويَّة والأحياء الجزئية بجامعة جورج تاون العريقة التي تُعدُّ من أقوى الجامعات الأمريكية في التصنيف العالمي في مجال الأبحاث العلميَّة. حصلت المبتعثة السعوديَّة من كلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز على جائزة أفضل بحث في المؤتمر الكندي لزراعة الأجهزة التحفيزية لعمل الأعصاب الذي يُعدُّ الأول من نوعه لاحتوائه على الطرق المثلى لتقييم الفحوصات وترتيب وتسلسل الخطوات التشخيصية في هذا المجال على مستوى العالم. كرّمت كندا مبتعثة سعودية اخترعت جهازًا من شأنه التعرف على الأمراض المستعصية لتسهيل عملية تركيب الأدوية اللازمة للعلاج، مما يعدّ إنجازًا جديدًا يسجل للمرأة السعوديَّة التي نالت اعترافًا عالميًّا في عدد من المجالات خاصة المجالات الطّبية.
وغيرها الكثير الكثير مما تناقلته الصحف الغربية واحتفت بهم جامعاتهم، إذا كانت هذه المنجزات لا تعنيكم فأنتم وللأسف مرضى تحتاجون لمراجعة طبيب ربَّما يكون أحد المبتعثين المتخرجين حديثًا.
وأخيرًا يا هؤلاء اتَّقوا الله في أعراض الناس، والوقوع في الخطأ والمعصية أمرٌ واردٌ، نبيَّنا صلَّى الله عليه وسلَّم أخبرنا أن الله لا يملُّ مغفرة الذنوب حتَّى يملّ المذنب طلب المغفرة.. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (إنّ عبدًا أصاب ذنبًا فقال ربِّ أصبْتُ ذنبًا فاغفر لي.. فقال ربُّهُ علِم عبدي أن له ربًّا يغفِرُ الذنب ويأخذُ بهِ غفرتُ لعبدي.. ثمَّ مكث ما شاء اللهُ، ثمَّ أصاب ذنبًا فقال: ربّي أصبت ذنبًا آخر فاغفر لي.. فقال علِم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بهِ غفرتُ لعبدي.. ثمَّ مكث ما شاء الله، ثمَّ أصاب ذنبًا فقال: ربّي أصبت ذنبًا آخر فاغفر لي فقال: علِم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بهِ غفرتُ لعبدي فليعمل ما شاء. إن الله لا يملُّ حتَّى تملّوا.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي إلى يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا» (رواه مسلم) وإنا إن شاء الله من أهلها.
إلى خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، إلى وزير التَّعليم العالي: شكرًا لكم من القلب، ابتعاثكم لنا تاجٌ على رؤوسنا ودَيْن في رقابنا وسوف يريكم الله منّا إن شاء الله ما تقرّ به أعينكم.