عندما تُزال العراقيل التي تعترض تطوير مرفق القضاء بالمملكة سوف نجد أن الكثير من القضايا الكبيرة والصغيرة المعلقة منذ سنوات والتي تراكم على معاملاتها الغبارُ في دهاليز وأقبية المحاكم قد زالت. وعندما تُزال العراقيل التي تعترض تطوير القضاء سوف نجد أن ما علينا وما لنا سواء كأفراد أو كمؤسسات أو شركات أو حتى في تعاملات البلدان الأخرى مع بلادنا قد صارت أوضح، مما يعطي كل الأطراف درجة أكبر من اليقين ويقلل من عنصر المخاطرة عندما نتخذ قراراتنا.
وقد تحدَّث الدكتور عيسى الغيث عضو مجلس الشورى والقاضي السابق في أحد البرامج التلفزيونية مؤخراً عن بعض تلك العراقيل وأشار بشكل خاص إلى المعوقات المالية وتداخل الاختصاصات بين الوزارات. ربما يكون هذا صحيحاً، لكن الأهم ـ في تقديري ـ هو تطوير المفاهيم المتعلقة بالقضاء في زمننا الحاضر وهو زمن يختلف عن الأزمنة الماضية التي كانت تتسم بالبساطة وكانت التعاملات فيها محدودة ورتيبة. وقد صدرت في بداية هذا العام أنظمة قضائية جيدة مثل نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية ونظام المرافعات أمام ديوان المظالم بالإضافة إلى نظام القضاء ونظام ديوان المظالم، لكن الانتفاع بها بشكل تام لا يتحقق إلا بتطوير المفاهيم أيضا.
هذه الأبعاد يجب ان تُطرح وتُناقش بوضوح، وبخاصة بين رجال القضاء والقانونيين والأكاديميين المختصين والفعاليات المجتمعية ذات العلاقة، بمشاركة من المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل. ونحن نرى أن شيئاً من هذا يحدث برعاية من وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور محمد العيسى على الرغم مما يلاقيه هذا الوزير النشط من تحديات، لكن الزمن يمضي والحاجة ماسة إلى تسريع تطوير مرفق القضاء لأن كل أمورنا الحياتية مرتبطة به.
بعض التطويرات المادية التي حصلت في المدة الأخيرة أزالت أو خففت معاناة الناس الذين يترددون على المحاكم وكتابات العدل. ولعل التوسع في استخدام الحاسب الآلي أحد أبرز تلك التطويرات التي تم إدخالها إلى مرفق القضاء. كما أن إنشاء محاكم التنفيذ هو مثال آخر على ما يمكن عمله. وقد تحقق هذا الأمر بعد طول انتظار وطول معاناة من أصحاب القضايا التي يتم الحكم فيها ولا تُنفَّذ. وقد ذكر وكيل وزارة العدل لشؤون الحجز والتنفيذ الشيخ خالد الداوود، حسبما أشارت جريدة الرياض بتاريخ 20 يوليو 2014، إلى أن دوائر التنفيذ في المملكة نفذت خلال الأشهر الثمانية الماضية أكثر من اثنين وعشرين مليار ريال وبلغ عدد طلبات التنفيذ التي تلقتها محاكم التنفيذ ستين ألف قضية. ولنا أن نتخيل مدى الضرر الذي يلحق بالمجتمع والاقتصاد من جراء تراكم مثل هذه القضايا التي يتم الحكم فيها لكن الأحكام لا تنفذ.
نحن في سباق مع الزمن ولا يمكن الانتظار أمام تردد المترددين إزاء تطوير مرفق القضاء. صحيح أن الزمن كفيل بعلاج هذه المشكلات لكن هذا الزمن الضائع هو تكلفة مخصومة من مكاسب البلد.