تكون أحياناً على حق، ومع ذلك تخسر قضيتك حين تتصرف بمنطق العاطفة، وتفترض أن الآخرين سينصفونك حتى لو لم يكن لديهم ما يكفي من «المعلومات» التي تثبت أنك على حق!
يحدث ذلك على مستوى التعاملات الفردية بين عموم الناس وعلى مستوى تعامل الدول بين بعضها البعض في علاقاتها الدولية. وحين نتأمل، على سبيل المثال، ما تفعله أمريكا لانتزاع ما تريد في علاقاتها الاقتصادية مع دول العالم نجد أن الحكومة الأمريكية، على الرغم مما تمتلكه في ترسانتها العسكرية من وسائل القوة توظف خبراءها الاقتصاديين والقانونيين لتبرير مواقفها بهدوء، وتخرج في معظم الأحوال رابحة.
وقد اهتمت صحافتنا المحلية في الآونة الأخيرة بقضية فرض الولايات المتحدة رسوما على وارداتها من أنابيب الصلب السعودية؛ بحجة أن هذه الصناعة السعودية تمارس سياسة الإغراق في السوق الأمريكية وتضر بمصالح الشركات الأمريكية المنافسة. فالإغراق، الذي هو في أبسط تعريفاته يعني بيع السلعة في السوق الأجنبية بسعر يقل عن سعر بيعها في الدول المنتجة للسلعة أو بسعر يقل عن تكاليف إنتاجها، يؤدي إلى سحب البساط من تحت السلع المشابهة في الدول المستوردة، حيث تصبح المنافسة بينهما غير عادلة ومضرة بصناعات الدولة المستوردة.
الصناعيون السعوديون يرون أنهم لا يمارسون سياسة الإغراق، وهذه معلومة مطمئنة ونحن نصدقها لكنها تحتاج إلى الإثبات. وقد كنا في السابق نكتفي، في الكثير من شؤوننا، بالاحتجاج وإبداء مشاعر التظلم عندما نشعر بأننا على حق. هذا، بالطبع، لا يكفي. يجب أن نقنع الآخرين بأننا على حق وذلك بتقديم «المعلومات» التي تخدم قضيتنا.
ومن تجربة قريبة، نتذكر أن فريق العمل الذي كان برئاسة الأمير عبد العزيز بن سلمان مساعد وزير البترول والثروة المعدنية قد نجح في ثني الهند ودول أخرى عن فرض رسوم على صادرات المملكة البتروكيماوية، أو تجميد تلك الرسوم التي فُرضت بحجة أن المُصدرين السعوديين يمارسون سياسة الإغراق. ولم يكن ذلك سهلاً، وإنما تطلَّبَ تقديم معلومات متكاملة ومفاوضات استغرقت وقتاً طويلاً.
وقد لاحظت هذه المرة أن الشركات المنتجة للأنابيب السعودية أيضاً تتحدث باللغة التي نرجو أن يفهمها العالم وهي لغة الأرقام والمعلومات وأنها جاهزة لعبور دهاليز المفاوضات المضنية مع المستوردين ومع المنظمات الدولية ذات العلاقة، بالتعاون مع مختلف الأجهزة الحكومية وغير الحكومية في المملكة. وقد أوضح الدكتور فواز العلمي الخبير المتخصص في التجارة الدولية في حديثه لجريدة الجزيرة الصادرة يوم الثلاثاء الماضي (17 رمضان 15 يوليو 2014) الخطوات التي يجب اتباعها لإثبات أن الشركات السعودية لا تمارس سياسة الإغراق.
بهذه اللغة الرصينة، وليس بالعاطفة، نستطيع المحافظة على مصالحنا. ولاشك أن هذا الأسلوب العلمي سوف يكرس موقع السعودية كلاعب فاعل ومنطقي على الساحة الاقتصادية الدولية، في زمن أصبحت «المعلومات» سلاحاً أمضى من الكثير من الأسلحة التقليدية.