ها أنت يا «يزيد» تسللت من أهلك خفية فما وجدوا لك أثرا ولا أبقيت لهم عنك دليلا، بحثوا في أوراقك، قلبوا كتبك، فتشوا أدراجك، سألوا زملاءك، انتظروا حتى مل منهم الانتظار، ترقبوا هاتفا يرن، ألقوا أسماعهم إلى جرس الباب عله يقرع، نثروا قلقهم على الجيران والمعارف؛ فما عنك يا يزيد الطير خبر؟!
أين اختفيت ؟ وكيف هان عليك قلب أمك وقلق أبيك؟!
حيرتنا يا ابننا العزيز فلم نعد ندري ماذا نقول ولمن نشتكي؟
ها هي أمك تكاد تبيض عيناها من الحزن، لم تعد أمك التي كنت تعرفها من قبل، هي أشبه ما تكون بمن مسه طائف من الجن، مرة تناجيك ومرة تحاكيك، ومرة تضحك معك ومرة تبكيك!
أين أنت الآن يا يزيد؟ أحي نرجوك أم ميت نعزى فيك وندعو لك ونسأل الله العوض في مصيبتنا بفقدك يا ابني العزيز؟!
قلق في قلق، وتيه واضطراب وشبه قنوط ويأس، ولكن يرن الهاتف:
- من أنت؟!
- يزيد!
- أنا يزيد يا أبي!
- أين أنت؟ وهل أنت بخير؟
- بخير والحمد لله، أحدثك من أرض الرباط، من أرض الشام مع المجاهدين، سامحني يا أبي وقل لأمي أن تسامحني، قد لا ألقاكم ولا أسمعكم بعد هذه المكالمة، مع السلامة!
لا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، هكذا حوقل والد يزيد واستخلف الله في ابنه، فهو في أغلب الظن لن يعود، فما نفر أحد إلى القتال في تلك الديار المضطربة وعاد إلى أهله، ماذا أقول لوالدته؟! وكيف يمكن أن تستوعب الأمر؟ أأكذب عليها وأقول إنه مسافر مع زملائه إلى أي مكان من هذا العالم إلا إلى القتال في الشام والعراق؟ أم أدعها في دوامة الانتظار والأمل؟
كان والد يزيد مطمئنا كل الاطمئنان وواثقا كل الثقة من صلاح ابنه وصلاح الرفقة التي يخالطها؛ فقد كانت مظاهر التقوى لا تخفى على من يلقي إليهم نظرة عابرة، وكانوا يأخذونه يوما كاملا إلى حيث لا يعلم فما كان والده يقلق أو يخشى شيئا سيئا؛ فيزيد في نظره أصبح قدوة ومثلا يحتذى، ويتمنى أن يحذو شباب العائلة كلهم حذوه!
وما هي إلا أسابيع قليلة ويصبح يزيد محل أحاديث وسائط الاتصال والمجالس والأقارب والمعارف؛ فقد ظهر في فيديو مسجل على اليوتيوب بزي غريب أقرب ما يكون إلى الزي الأفغاني وشعور طويلة متأبطا رشاشا وحوله نفر ممن يماثلونه إلا أنهم ملثمون وهو الوحيد بينهم الذي أسفر عن وجهه وكأنه قائدهم أو كبيرهم يتحدث بصوت جهوري قوي باسم التنظيم «الجهادي» الذي ينتمي إليه مهددا بلاده ومتوعدا أبناء وطنه، متهما إياهم بالردة، ومتنكرا لقيادة بلاده متهما إياها بالكفر، فالبلاد بقادتها وعلمائها وأهلها كلهم إما كفار أو مرتدون في نظره!
حوقل والد يزيد واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، فهو لا يكاد يصدق أبدا أن هذا ابنه ذلك الشاب الوديع اللطيف المسالم، كيف انقلب فجأة إلى هذه الشراسة والقسوة؟ وكيف تحول من أمل كبير يرجى لرفع اسم عائلته إلى عدو يكفر أهله وإخوانه ويهددهم بالقتل ويتوعد بلاده بالغزو والاحتلال؟!
يا بني: أتقتل والديك؟ أنحن مرتدون؟ أتقتل أهلك؟ إخوانك؟ جيرانك؟ أصدقاءك؟!
كيف انقلبت علينا فجأة وتحولت إلى هابيل أو ابن ملجم أو ابن العلقمي أو شارون أو بشار أو نتنياهو؟!
من هو ذلك الشرير الذي نزع من فؤادك مضغة الطيبة والرحمة والحنان والمحبة وغرس فيك التوحش وعشق الدم وكراهية الناس؟!
نستخلف الله فيك؛ فأنت لست ابننا يزيد.