إنّ من يضع (الوطن) أمراً قابلاً للجدل ويظن أن مهمة الوطن هي أن يضمنَ له الأكل والمأوى ووسائل الترفيه، هو مثل من (يجادلك في الله، بغير علمٍ، ولا هدىً، ولا كتاب ٍ منير)!. فالوطن أعظم مقاماً وأعلى مكاناً من ذلك. وما تقوم به جماعات الإسلام السياسوي من تكدير لهدوء وطن أعطى واتّقى، وطن ٍ لم يرم ِ مواطنيه شحاذين في مدن (ترى العربيّ فيها غريبَ الوجه واليد واللسان!).
ليس يكفينا إدانته ولا محاربته إعلامياً وتجاهل ممارسات منظّريه ومتحزبيه (المأفونين) بل إننا ينبغي أن نتعامل مع هؤلاء كخونة وكسارقين وكمدسوسين على الوطن الذي نحمل لأجله أرواحنا على راحاتنا لا يهمنا سوى أن يظلّ كبيراً وشامخاً وآمناً وعصرياً، ومتجها بخطى يباركها الله إلى المستقبل مذخّراً بالعلم والوعي ومزدحما بأبنائه الأوفياء الذين لم تفلح أبواق الزاعمين أنهم يعرفون الحقيقة والله والدين والوطن وحدَهم في أن تلوي أعناقهم نحو (عبادة) الماضي! وتقديس الرؤى والخيالات المريضة واستبعاد الواقع ونفي أن العالم كله هو من صنع الله؛ سواء أكان عالم القوى المستكبرة والتي لا بدّ أنها تستفيد من هذا (النكوص) والعدوّ هو: من يربح جرّاء خسائرنا، وهو من ينتصر جرّاء شعورنا المسبق بالهزيمة، وهو من يعيش على موائدنا ولا ينسى أن يركلَها متى طغى واستغنى!.
إنّ إدعاءات بعض من يحسبون أنهم (يحتكرون) الحقيقة بأنهم يحافظون على دين الأمة هي مرفوضة جملةً وتفصيلاً. إن أكثرهم يتباهون بارتقاء (المنابر) ويعتبرون ذلك بمثابة شيء (يميّزهم) عن الآخرين. هم من يقرأون قول الله إن أكرمكم - عند الله -: أتقاكم!. وهم حين يكونون في موقع مسئولية سلطوية يعتبرونها من الكرامات التي أغدقها الله عليهم!. أطلب منكم عدم التفريق بين من يقفون (إرهابيين دوليين) وبين من يوظفون نفس رؤيتهم وإن كان الأخيرون يمارسون دجلاً لا يقل سوءاً عن تدجيل الذين (يناضلون) في غرف مغلقة وفي (براري) موحشة وهم جميعا ينظرون إلى أفراد المجتمع من المواطنين الذين يخدمون وطنهم من عدة مواقع وبدون أن يشعروا أنهم يتفضلون على مجتمعهم ووطنهم، بل يعملون بصمت ويمنحون دون منة.
وأكثر ما يسيء إليّ - شخصياً - وبالطبع إلى آخرين هو موقف بعض الأخوات اللواتي لم يصدقّن أنه يمكنهن (الجهاد) وضعوا كل ما تشاؤون من خطوط تحت كلمة (الجهاد) الذي يوظف الآن من قبل الذين يفتون بوجوب الجهاد على (كل مسلم) وفي (كل مكان) وتحت (أيّ ظرف!). فقمن بلبس لبوس الجهاديات وقمنَ بـ (تكفير) من عداهنّ. وبعض فتاوى جهاد النساء فتاوى يخجل منها كل ذي ذوق غير مشوّه وبعضها وصل إلى حدّ يزدري كينونة المرأة، ويوظفها توظيفاً جسدياً و(رغائبياً) وهو الأمر الذي نهى عنه الدين وازدراه كل المسلمين.
نحن بأفعالنا وخاصة (تكوين الخلايا الإرهابية) وفتح خزائن الأموال الممولة للإرهاب لا نشوّه نظرة الغرب إلى الإسلام (ومع أنني أسارع للقول أن نظرة الغرب إلى الإسلام ليست أكبر همنا / ولا مبلغَ علمنا) إلا أنه من أدبيات الحوار بين الحضارات، والثقافات أن نضع في اعتبارنا أن الإسلام هو دين التسامح والأخذ والردّ، ومحاججة الحجة بالحجة، وما عدا ذلك هو من قبيل اللهو وزخرف القول. ولو أن هؤلاء أعادوا قراءة آيات تكليف (موسى) عليه السلام بالذهاب إلى (فرعون) لتمهلوا ولو قليلا!. فرعون الذي قال لقومه {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}، ولكن الله العظيم القادر الجبار المنتقم قال لموسى في وثيقة تكليفه بمهمة كسر أباطيل فرعون: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}. وموسى عليه السلام أوجس خيفة من المهمة ولكنه اكتفى بأن دعا ربّه: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي، وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}. أليس جديراً بمن كان رسوله العظيم يتحدث هذه اللغة المليئة بالرحمة والعفو واللطف أن يسير كما يأمره الله لا كما يفتيه به أدعياء القتل والإقصاء والإلغاء؟!
وإلى اللقاء