في ليلة من ليالي أبها البهية، ومع هذه الأجواء المعتدلة في الصيف، وفي عطلة نهاية الأسبوع أخذتني الخطى برفقة أسرتي الصغيرة إلى «عسير مول» وأثناء دخولي المركز، فوجئت بثلة من الشباب اليافعين في وسطه، متحلّقين حول طاولة صغيرة عليها مجموعة من الكتب، وهم حولها يتبادلون الأحاديث، وفي أعينهم بريق من الفرح كلما جاءهم قاصد موقعهم، دفعني فضولي للاقتراب منهم، وعيناي قد تسمرتا نحو الطاولة التي تحمل مجموعة كتب، وهي تتفحّص ما عليها من عناوين، لفت نظري عناوين أعرف بعضها مثل «النظرات» للمنفلوطي «وحكايا سعودي في أوروبا» لعبدالله الجمعة وغيرهما، ولسان حالي يترنم بما قاله المتنبي:
خير المحادث والجليس كتاب
تخلو به إن ملّك الأصحاب
لامفشيا سرا إذا استودعته
وتنال منه حكمة وصواب
اقترب مني مجموعة من الشباب مرحبّين، فسألتهم عن سر وجودهم في «المركز التجاري» فانبرى أحدهم يشرح لي فكرة مشروعهم الذي بدأ من 2-6 وسيستمر إلى 2-7-1435هـ ولا يهدف؛ إلا للربح الثقافي، فهم يقومون بتوفير الكتب على سبيل الإعارة لمن يريد أن يقرأ خلال وجوده في المركز، وإذا أراد أخذ الكتاب معه خارج المركز، فلديهم الاستعداد للتواصل معه، والحضور للمكان الذي هو فيه لاسترجاع الكتاب، أو الكتب المعارة، حقيقة سررت لهذه الفكرة وهي حسب معرفتي ليست الأولى ولا الوحيدة فهناك حملة «خلونا نقرأ لطلبة جامعة الملك سعود، شركة أرامكو وحملتها التي جابت المدن والقرى بعنوان أقرأُ، بل هناك محاولات فردية كحملة «لأجل أمة قارئة - امرأة سعودية سلافة عادل البترجي» سألتهم عن جهات الدعم لمشروعهم، خاصة وأنهم مجموعة من طلاب «ثانوية الأندلس الأهلية بأبها» يؤدون رسالة تطوعية، عبر «فريق الأندلس التطوعي» فذكروا لي جهة واحدة هي «سواعد وطن» ومدرستهم «مدارس الأندلس الأهلية» ولا غير ذلك حقيقة بل ذكروا لي بأنهم يقومون بتوفير الكتب المطلوبة على حسابهم في حال عدم وجودها، وطلبت من أحد، باركت لهم جهودهم، وتمنيت لهم النجاح، وكنت أتمنى لو كان هناك أكثر من جهة داعمة لمشروعهم الذي يحمل هدفا خطوه على «اللوحة «التي تحمل شعارهم (القراءة مقاس للتقدم الحضاري إذا لم نقرأ لن نرقى) سواء كانت جهة الدعم حكومية، أم أهلية، كالمكتبات العامة، أو بعض المكتبات الكبرى في المنطقة كالعبيكان وجرير وغيرها لأن هدفهم نبيل جدا، فأي أعظم من أن تنبري جهة لغرس حب القراءة والمطالعة، وتعمل على نشر وتنمية صداقة الكتاب مع الناس، فوضع الجيل الحاضر مع توافر أجهزة التقنية، والانشغال بالألعاب الاليكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، ومجافاة الكتاب، والنفور من القراءة، لأمرمحزن، فلقد أصبح سؤالنا الذي نرفعه بألم، هل طلابنا وأبناؤنا يقرأون؟ بل هل نحن مجتمع يعشق القراءة؟ دعوكم من الحديث الذي يقال: إن هناك إقبالاً كبيراً كان على معرض الرياض الدولي للكتاب، وهناك نسبة شراء عالية للكتاب، فالمشكلة لا تكمن في عمليتي الشراء والارتياد، المشكلة في عملية القراءة، ونحن «أمة اقرأ» فهناك دراسات وآراء، تقول: إننا كمجتمع سعودي ليست لدينا ثقافة القراءة المعرفية، المثقفة، كل ما لدينا القراءة السريعة في الإنترنت، والمتأمل في بعض ما يقال عن ثقافة القراءة عند السعوديين أن حجم القراءلا يختلف عن بقية الشعوب العربية بمعدل 6 دقائق في اليوم، وهي انعكاس لحجم النشر للكتاب في العالم العربي إذ يتم طباعة كتاب واحد لكل 12 ألف مواطن عربي، بينما في بريطانيا كتاب واحد لكل 500 مواطن! وقد قرأت قبل فترة في استطلاع لصحيفة «سبق الإلكترونية» بأن 77% من السعوديين يقرؤون كتاباً واحداً في العام، وعلى كل حال أنا لا أرى المشكلة في عدم توافر الكتاب، خاصة أنه يمكن تحميل مكتبة إليكترونية في أجهزة التقنية يمكن يحملها أحدنا أينما كان، إنما المشكلة تكمن في قضية إيجاد جيل قارئ، ولن يتأتى لنا هذا الأمل إلا من خلال غرس القراءة، وتنميتها في نفوس الجيل منذ الصغر والكرة في مرمى وزارة التربية والتعليم، ولعل مثل تلك الحملات ستوصلنا إلى الهدف المنشود، فكما قال العقاد حين سُئل لماذا تقرأ ؟ قال لأن حياة واحدة لا تكفيني.