من معرض الكتاب الفائت اشتريت مجموعة من الكتب كان من بينها كتاب (التاريخ الوجيز لمحاكم التفتيش في إسبانيا) لمؤلفه (جوزيف بيريز) وهو مؤرخ إسباني من أصول فرنسية. الكتاب يقع في 286 صفحة من القطع المتوسط.
يستهل المؤلف كتابه موضحا بأن محاكم التفتيش أنشأها (فردنالديز) ملك اراغون و( إيزابيلا) ملكة قشتالة عام 1478م، وأصدرت تلك المحكمة قرارات ثلاثة: هي إنشاء محاكم التفتيش بترخيص من البابا وطرد اليهود وإجبار مسلمي مملكة قشتالة على اعتناق الكاثوليكية، وذلك بهدف توحيد العقيدة.حيث حل القمع والاضطهاد محل التسامح مع العقائد غير المسيحية! وبالرغم من أن المؤلف ذكر في مقدمته ان محاكم التفتيش كان من أهدافها إجبار المسلمين على تغيير دينهم، إلا أنه فيما تبقى من صفحات الكتاب لم يتطرق لما تعرضه له المسلمون من اضطاد وتشريد وإعدامات سجلها التاريخ وحفظتها وثائق رسمية.
مع انه يشير في صفحة كتابه الاولى إلى ان اصحاب الديانات المسيحية واليهودية عاشوا خلال القرون الأولى في وئام.
ويعترف الكاتب في صفحته الثانية أن المسلمين كان لديهم مايسمى بعهد (أهل الذمة) فلم يكونوا يجبرون أحدا على تغيير دينه! بعد هذه المقدمة تجاهل المؤلف المسلمين وأحوالهم وكيف تعاملت معهم محاكم التفتيش، فلقد ركزعلى مايتعرض له اليهود ملمحا في أكثر من مرة إلى أن ماحدث لليهود كان بدافع من معاداة للسامية!
ويؤكد على أن تمييزا عنصريا تجاههم أصدره مجمع (زاموره) عام 1312م منها (لاينبغي للمسيحيين أن يتنالوا الطعام مع اليهود او يوظفوا مربيات يهوديات او إقامة علاقات (خاصة) مع يهود أويهوديات! بل إن المجمع أقترح اجبار اليهود على حمل علامات تمييزية.
لقد ادعى هذا الكاتب بأن ماحدث لليهود هو معاداة للسامية رغم ان هذا المصطلح لم يكن معروفا في ذلك الوقت وهو مصطلح لم يظهر الا في القرن التاسع عشر. الآن انه كرر هذا المصطلح كثيرا!!
مع ان ماحدث لليهود في إسبانيا ليس أمرا جديدا عليهم ولقد تعرضوا لمثل ذلك في كثير من البلدان التي استوطنوا بها، فكانوا يتعرضون للاضطهاد والابعاد، وهي حالة كراهية عامة كان لها أسباب دينية واقتصادية حتى إن الكاتب المسرحي وليم شكسبير كتب مسرحيته الشهيرة (تاجر البندقية) حول المرابي اليهودي معريا اسلوبه في التعامل مع البشر!
لقد أغفل الكتاب ماتعرض له المسلمون الا في إشارات وتلميحات قليلة وأظهر بشكل واضح ماتعرض له اليهود من اعدامات ونهب وسلب لمنازلهم واجبارهم على تغيير دينهم.
انه كتاب في الجملة غير منصف يتجاهل ماعاناه المسلمون ويبرز معاناة اليهود وكأنهم الوحيدون الذي استهدفتهم هذه المحاكم مستخدما عنوانا غير دقيق ! واذا كان الكاتب ليس يهويا فكتابه احد الأساليب التي يتخذها بعض الكتاب في البلدان الغربية للتزلف لليهود ولكسب ودهم ولإبراز بأنهم ليسوا ضد السامية، وهم هنا ينزلقون خارج اطار الموضوعية والحيادية والانصاف والرصد التاريخي المحايد.
لقد ترددت عباراة معاداة السامية كثيرا في هذا الكتاب مما يشير بأن المؤلف والكتاب يدوران في فلك الدعاية اليهودية، وليس الرصد التاريخي لما حصل في الأندلس، ولو عنون كتابه بـ ( التاريخ الوجيز لمحاكم التفتيش في إسبانيا ودورها مع اليهود) لكان أكثر تحديدا ولعرفنا منذ البداية ماسينتهي اليه المؤلف وهدفه الرئيس من إصدار الكتاب.